شرح الأساس الكبير،

أحمد الشرفي القاسمي (المتوفى: 1055 هـ)

(فصل: في ذكر العقل)

صفحة 88 - الجزء 1

  الثاني: اختلافهما في وقت الوجود وذلك لأن الله سبحانه جعل وجود النفس ملازماً لأول وجود الحياة؛ لأجل كون الحي من البشر مشتهياً ونافراً والشهوة والنفرة من طباع النفوس التي فطرها الله سبحانه عليها لما علم في البلوى بذلك من المصلحة والحكمة البالغة.

  وما مثلهما في البلوى بتقديم وجودها واستحواذها على القلب واستخدامها للحواس في حال مغيب العقل المؤمر عليها وعلى جميع الحواس إلا كمثل من يملكه الله سبحانه من ملوك أهل الدنيا بالتمكين والتخلية والإمهال حتى يتصرف في العباد والبلاد في حال مغيب من يبعثه الله سبحانه بعد ذلك من رسله أو من يقوم مقامهم إليه ليزجره عن غيه ويمنعه من لعبه.

  الثالث: اختلاف صفتيهما لأن من صفات العقل كونه هادياً إلى الرشاد ومميزاً بين الصدق والكذب في الأقوال والحق والباطل في الاعتقادات والخير والشر في عواقب الأعمال وداعياً إلى التخلق بمحمود الأخلاق نحو الحلم والكرم والصبر وما أشبه ذلك.

  وصفات النفس كونها أمارة بالسوء وموسوسة ومسولة وداعية إلى مذموم الأخلاق نحو الطيش والشح والهلع وما أشبه ذلك.

  والرابع: اختلافهما في النظر والاستدلال وذلك أن نظر العقل هو التفكر في الصنع من حيث هو حكمة ونعمة والتدبر لما حكى الله في كتابه من الآيات الدالة عليه، والقياس لما لم يعرف وجه الحكمة فيه على ما عرف.

  ونظر النفس تظنن وتوهم وتتبع لمواضع الشبه والمتشابه وقياس ما عرف وجه الحكمة فيه على ما لم يعرف في الحيوانات المؤذية والضارة وما أشبه ذلك مما يدلس به أهل الزندقة على المتعلمين.

  والخامس: اختلاف مادتهما لأن العقل يستمد من توفيق الله سبحانه وتسديده ولذلك قال الله سبحانه: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى}⁣[محمد: ١٧].