(فصل): [وجوب معرفة الرسل على المكلفين]
  قلت: وهذا مثل كلام الهادي #.
  وقوله #: لأن العقل لا يؤدي إلى معرفة العبادة يريد به أن العقل وإن حكم بوجوب عبادة الله تعالى عليه وهي الطاعة له جل وعلا والتذلل والخضوع لجلاله إلا أنه لا يهتدي إلى كيفية ما يجب عليه من هذه العبادة إلا بالرسول، وهذه العبادة لا تخرج عن كونها شكراً له تعالى على نعمه العظام.
  ولفظ كلام الهادي # في كتاب البالغ المدرك: يجب على البالغ المدرك في بلاد الكفر وغيرها أن ينظر إلى هذه الأعاجيب المختلفات المدرَكات بالحواس من السماء والأرض وما بث فيهما من الحيوان المجتلبة إلى أنفسها المنافع، النافرة عن المضار أنها محدثة لظهور الإحداث فيها.
  إلى قوله #: فلما شهدت العقول على أن هذا هكذا ثبت أن لها مدبراً حكيماً.
  إلى قوله #: فإذا علم البالغ أن هذا هكذا كان عليه أن يعلم أن شكر المنعم عليه فإذا كان عليه أن يعلم أن شكر المنعم عليه وشكر المنعم هو الطاعة له وفي الحكمة التقويم بين المطيع والعاصي وفي ذلك إيجاب الثواب والعقاب فلما تصرمت أعمار المطيعين ولم يثابوا، وانقضت آجال العاصين ولم يعاقبوا وجب على قود التوحيد واطراد الحكمة أن داراً بعد هذه الدار يثاب فيها المطيعون ويعاقب فيها المسيئون.
  وهذه أمور أوجبتها الفطرة واستحقت بالإيمان، وقليل من تقررت المعرفة في قلبه إلا باستقرار أولها وشهادة بعضها على بعض وتضمين كل شيء منها ما قبله وبعده واستطراد ذلك كله في العقول.
  فلما أن كان ذلك كذلك كان في ضرورة العقل أن لا سبيل له إلى علم كيفية الطاعة من دون الخبر من عند المنعم بكيفية الطاعة؛ إذ لا يمكن الخبر من الله ملاقاة لله.