شرح الأساس الكبير،

أحمد الشرفي القاسمي (المتوفى: 1055 هـ)

(فصل): [وجوب معرفة الرسل على المكلفين]

صفحة 321 - الجزء 2

  فإذا علم أن الخبر لا يمكن من الله مشافهة لله علم أن خبر الطاعة لا يمكن إلا برسول من عند المنعم بائن من البشر في أعلامه وفعاله، فمن هاهنا لزم البالغ المدرك أن يعلم أن لله رسولاً لا من قِبَل أخبار الناقلين، فلما لم يجز إلا بعثة الرسل وكانت الرسل من البشر، وفي مثل تركيب المبعوث إليهم وعباداً لله مثلهم لم يجز تصديقهم على الله إلا بدلالة بينة وحجة قاطعة يعلم الخلق بعجزهم عنها أن الله تولى ذلك على أيديهم فجاءت الرسل بالآيات التي ليس في قوى الخلق المجيء بمثلها فوجب تصديقهم على الله بعد الحجة والبيان.

  فمن أدرك أزمنتهم وشاهدهم في عصورهم وقامت عليه حجتهم لزمه الإقرار بهم والتسليم لأمرهم والقبول لما جاءوا به، وسقط عنه كثير من الكُلفة في تمييز الأخبار وامتحان الناقلين، وبحسب ما قامت عليه الحجة كلفه الله الذب عن دينه والقيام بحجته.

  ومن تراخت به الأيام عن لقائهم وكان في غير أعصارهم كانت الحجة عليه في معرفتهم والتصديق لما جاءوا به والديانة لما دعوا إليه توالي الأخبار التي في مثلها يمتنع الكذب ولا يتهيأ بالاتفاق، ويكون سامعها مضطراً في فطرته إلى أن ناقليها لا يمكن مثلهم الكذب ولا التواطؤ على مقالة كقوم مختلفي الأجناس متبايني الديار متقطعي الأنساب متفاوتي اللقاء متراخيي الأزمنة ينقلون خبراً واحداً متسق النظام محروساً عن الغلط محصناً من الوهم ولعله يخرج في مال أحدهم وبدنه لا يعارضهم فيه معارض بتكذيب قد كاد ولمَّا أن يكون عياناً، وقد يجيء بين ذلك أخبار بعضها مستحيل كونه في العقول ويبعد أن يجيء بمثلها رسول لما فيها من الكذب والزور ولن تجيء هذه الأخبار مجيء إجماع أبداً، وإنما سبيلها الشذوذ والغلط في التأويل وفي معرفة مخرج الخاص من العام، وفي معرفة المحكم من المتشابه.

  فمن هذه الأخبار ما هو في أصله منسوخ، ومنها ما هو في مخرجه عام وفي معناه خاص.