(فصل): في الإشارة إلى معجزات نبيئنا محمد ÷
  في معارضته: إنا أعطيناك الجواهر فصل لربك وجاهر ولا تطع كل شيخ فاجر.
  وقال: يا ضفدع بنت ضفدعين نقي في الماء ما تنقين لا الماء تكدرين ولا الشارب تمنعين أعلاك في الماء وأسفلك في الطين لنا نصف الأرض ولقريش نصفها ولكن قريشاً قوم يجهلون.
  قلنا: إن هذا وأمثاله من جملة الهذيان الذي تمجه الآذان وتعافه الأفهام ويسخر منه جميع الأنام، يعرفه كل ذي عقل قويم ولب سليم لما تضمن من المعاني الضعيفة المتنافرة والكذب وغير ذلك.
  والمعارضة إنما تكون بالشيء الذي يشبه المعارض فيشتبه المتعارضان حتى يحصل الغرض المقصود وهو بطلان الفضل فأين هو من قول الله سبحانه: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ١ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ٢ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ ٣}[الكوثر]، وقوله جل وعلا: {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ ١ إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ ٢ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ ٣ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ٤}[قريش].
  (وليس ذلك) أي عجزهم عن معارضته ومعارضة ما لا إخبار بغيب فيه (إلا لبلاغته) أي بلاغة القرآن وفصاحته، (و) أما (الإخبار بالغيب) فهو (معجزة أخرى) مضافة إلى معجزة البلاغة (والأمور المذكورة في سائر الأقوال) وهي كون قارئه لا يكل وسامعه لا يمل والأمر الذي يحس به ولا يدرك والصرفة التي ذكروها (إنما كانت كذلك) أي كما قالوا (لأجل بلاغته أيضاً) فلما بلغت بلاغته الغاية التي عجز عنها المخلوق صار من يقرأ القرآن لا يكل عن قراءته وسامعه لا يمل عن استماعه لما ذاقه فيه من الحلاوة والطراوة والأخذ بمجامع القلوب يعرف ذلك ضرورة من أصغى سمعه إليه بقلب سليم ولب حاضر والصرفة التي ذكروها هي هذه البلاغة وهي الإعجاز لا غير، والله أعلم.