الأنوار الهادية لذوي العقول،

أحمد بن يحيى حابس (المتوفى: 1061 هـ)

مسألة: [حكم الإجماع على خلاف ما أجمع عليه الأولون]:

صفحة 229 - الجزء 1

مسألة: [حكم الإجماع على خلاف ما أجمع عليه الأولون]:

  لا إشكال في إمكان الإجماع على خلاف ما قد وقع عليه الإجماع، وأمّا حسنه⁣(⁣١) فقد اختلف فيه (و) المختار وفاقاً لأئمتنا $ والجمهور (أنه لا يصح) ولا يحسُن (إجماع) أهل العصر الثاني (بعد الإجماع) من أهل العصر الأول (على خلافه).

  وقال أبو الحسين الطبري⁣(⁣٢) وأبو عبدالله: يصح. فالثاني ناسخ عندهما؛ بناءً على أصلهما، وهو جواز نسخ الإجماع والنسخ به. واختاره الرازي، لكن الثاني عنده⁣(⁣٣) ليس بنسخ؛ لأنه ليس بحجة عنده. قال أبو عبدالله: إلا أن يجمعوا على منع الإجماع⁣(⁣٤) بعد إجماعهم هذا لم يصح حينئذٍ الإجماع على خلافه.

  قلنا: قوله تعالى: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى}⁣[النساء ١١٥] لم يفصل بين أن يكونوا أجمعوا على أنه لا إجماع بعد إجماعهم أم لم يجمعوا؛ فامتنع الإجماع الثاني مطلقاً. وأيضاً فلا يجوز للواحد فضلاً عن الجماعة. ثم كيف يصير حجة من حجج الله تعالى ما يحل مخالفته؟

  وأما النسخ فهو على حسب إرادة الشارع؛ إذ هو مستأثر بعلم مصالح العباد، فلا هداية للخلق إلى معرفة ذلك. ولأن المسألة إذا لم تكن من مسائل الاجتهاد فخلاف ما أجمع عليه أهل العصر الأول ضلالة، والأمة لا تجمع على ضلالة أصلاً، ثم لا يكون بالاتباع أولى مما قبله؛ فتتعارض الأدلة، وذلك باطل، وإن كانت من مسائل الاجتهاد لم يَخْلُ الإجماعان: إما أن يكون أحدهما صحيحاً والآخر باطلاً، أو باطلين، أو صحيحين، وليس يجوز أن يفسدا معاً،


(١) أي: جوازه. هامش. (ب).

(٢) هو أحمد بن موسى الطبري، من أصحاب الإمام الهادي، وكبار علماء الزيدية في عصره، (ت بعد عام ٣٤٠ هـ).

(٣) في (ج): «على خلاف ما أجمعوا عليه».

(٤) أي: على خلاف ما أجمعوا عليه.