الأنوار الهادية لذوي العقول،

أحمد بن يحيى حابس (المتوفى: 1061 هـ)

[الدليل الثالث الإجماع]

صفحة 219 - الجزء 1

[الدليل الثالث الإجماع]

  (فصل: و) الدليل الثالث من الأدلة الشرعية: (الإجماع) وهو في اللغة: العزم والاتفاق، قال تعالى: {فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ}⁣[يونس ٧١]، أي: اعزموا واصرموا⁣(⁣١)، ومنه: «لا صيام لمن لم يجمع الصيام من الليل»، أي: لمن لم يقطع بالنية، ويقال: أجمعوا على كذا، إذا⁣(⁣٢) اتفقوا عليه، وصاروا ذوي⁣(⁣٣) جمع.

  واصطلاحاً: قسمان: عام وخاص، فالعام: إجماع الأمة (وهو اتفاق(⁣٤) المجتهدين العدول من أمة محمد ÷) بعد وفاته (في عصر على أمر) والمراد بالمجتهدين: من كان يتمكن من النظر ولو في بعض المسائل، وسيأتي أن الاجتهاد يتبعّض؛ فلا يعتبر المقلِّد موافقةً ولا مخالفةً؛ لأنه متابع لا قائل، خلافاً للباقلاني.

  ودليل الإجماع الآتي ذكره قد شَمِل اعتبار التابعي المجتهد إذا عاصر الصحابة، فلا ينعقد إجماعهم مع خلافه، وشَمِل أيضاً الواحد والاثنين، فلا ينعقد مع خلاف مجتهد أو مُجتهدَينِ، وشَمِلَ أيضاً مَن له أتباع من المجتهدين ومَن لا أتباع له، وشَمَلَ - أيضاً - العبيد والنساء، فلا ينعقد الإجماع مع خلافهم؛ لأنه لم يفصل الدليل في جميع ذلك.

  وهل يعتبر الجن؟ قيل: لا؛ لتعذر عرفان ما هم عليه، وقد كُلِّفنا بالعمل به⁣(⁣٥)، فيؤدي اعتبارهم إلى التكليف بما لا طريق إليه، وهو لا يجوز. وأما في حقهم فيقرب اعتباره⁣(⁣٦)؛ لأن الأدلة لم تفصل في التكليف به بين إنسي وجنّي.


(١) أي: اقطعوا.

(٢) في (ج): «أي: اتفقوا».

(٣) لأن حقيقة «أجمع» صار ذا جمع، كَـ «أَلْبَنَ» و «أَتْمَرَ». القسطاس.

(٤) قوله: «اتفاق» يشمل اتفاقهم اعتقاداً، وقولاً، وفعلاً، وسكوتاً وتقريراً. هامش (أ).

(٥) أي: بالإجماع.

(٦) عبارة الطبري: «وأما في حقهم فيعتبر مجتهدونا؛ لإمكان الإطلاع منهم».