مسألة: [حقيقة التأسي]:
  وقال أبو علي بن خلَّاد(١): يجب في العبادات دون غيرها.
  والحجة لنا عليهم: قوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ}[الممتحنة ٦]، والتأسي بالغير في أفعاله هو أن يفعل مثلها في الصورة على الوجه الذي فعلها(٢) عليه كما سيجيء، وقوله تعالى: {لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} يشعر بالتخويف من ترك التأسي به ÷، فكان واجباً.
  ويدل على ذلك أيضاً قوله تعالى: {وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ١٥٨}[الأعراف]، وهذا يتناول أفعال النبي ÷ وأقواله؛ لأن الاتِّباع يتناول القول والفعل معاً، وقوله: {وَاتَّبِعُوهُ} وإن لم يكن من ألفاظ العموم فإنه في معناها؛ لأنه قد أفاد أن علينا اتباعه في أفعاله؛ لأن ذلك اتباع، والخطاب مطلق، وقد كان يصح تعقيبه بالاستثناء، وهو علامة الشمول والاستغراق، كسائر ألفاظ العموم.
  ويدل على ذلك إجماع الصحابة، فإنهم اتفقوا على الرجوع إلى أفعال النبي ÷ في إثبات الأحكام(٣) كما رجعوا إلى أقواله، كرجوعهم في أحكام الطهارة، والصوم، والنكاح، والبيوع، والديون، والحقوق، والحدود، وأحكام الحربيين، وقسمة الغنائم، إلى غير ذلك، والكتب مشحونة(٤).
مسألة: [حقيقة التأسي]:
  (و) ينبغي البداية بالتأسي؛ إذ هو المقصود الأهم في هذا الباب، فحقيقة (التأسي: هو إيقاع الفعل بصورة فعل الغير ووجهه، إتباعاً له،
(١) أبو علي محمد بن خلاد البصري، من علماء المعتزلة، درس على أبي هاشم، من الطبقة العاشرة.
(٢) في (ب): «فعله».
(٣) قال في الجوهرة: كرجوعهم إلى أزواجه ÷ في قُبلة الصائم، وفيمن أصبح جنباً، وهل تزوج النبي ÷ ميمونة وهو حلال أم محرم.
(٤) لفظ الجوهرة: والكتب مشحونة به. ص ٣٢٦/ ط ١.