الأنوار الهادية لذوي العقول،

أحمد بن يحيى حابس (المتوفى: 1061 هـ)

[أدلة حجية الإجماع]

صفحة 249 - الجزء 1

  وهو⁣(⁣١) لا يُتصور؛ إذ جماعة التواتر يستحيل مشاهدتهم للمجتهدين، أو سماعهم عنهم، ثم ينقلوه⁣(⁣٢) مع تباعدهم شرقاً وغرباً، فثبت أنه يستحيل نَقْله.

  وأجيب عن الوجهين: بأن ذلك تشكيك في مصادمة الضرورة؛ فإنه يُعلم قطعاً من الصحابة والتابعين الإجماع على تقديم الدليل القاطع على المظنون، وما ذلك إلا بثبوته عنهم، وبنقله إلينا.

[أدلة حُجيِّة الإجماع]:

  وأما الكلام في كونه حجة فاعلم أنه حجة عند جميع الناس، ولا اعتداد بمن قال: إنه ليس بحجة مطلقاً⁣(⁣٣)، كالإمامية والنَّظَّام والخوارج، أو من غير الصحابة، كالظاهرية، أو إذا كان ظنيًّا⁣(⁣٤). وذهب ابن الخطيب الرازي والآمدي إلى أنه حجة ظنية وإن نُقِل تواتراً.

  والحجة لنا على أنه حجة قطعية (يفسق مخالفه) أدلة⁣(⁣٥) كثيرة:

  الدليل الأول: بيّنه بقوله: (لقوله تعالى:) {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى (وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ) نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ١١٥}⁣[النساء]، ووجه الاستدلال بهذه الآية: أن الله تعالى جمع بين مُشاقّة الرسول ÷ واتِّباع غير سبيل المؤمنين بالوعيد، فلو كان اتباع غير سبيل المؤمنين مُباحاً لَمَا جَمَعَ بينه وبين المحظور في الوعيد، ألا ترى أنه لا يجوز أن يقول الحكيم لعبده: إن زنيتَ و شربتَ الماء عاقبتك، فإذا قَبُحَ اتباع غير سبيلهم وجَبَ تجنُّبه، وليس يمكن تجنبه إلا باتباع سبيلهم؛ لأنه لا واسطة ...


(١) أي: التواتر.

(٢) كذا في النسختين، والصواب: «ينقلونه».

(٣) أي: من الصحابة وغيرهم.

(٤) لفظ السيد داود في مرقاة الوصول: وقالت الظاهرية: ليس بحجة إذا كان من غير الصحابة، أو إذا كان ظنياً. ص ٣٥٢.

(٥) في (ج): «بأدلة».