[أدلة حجية الإجماع]
  وهو(١) لا يُتصور؛ إذ جماعة التواتر يستحيل مشاهدتهم للمجتهدين، أو سماعهم عنهم، ثم ينقلوه(٢) مع تباعدهم شرقاً وغرباً، فثبت أنه يستحيل نَقْله.
  وأجيب عن الوجهين: بأن ذلك تشكيك في مصادمة الضرورة؛ فإنه يُعلم قطعاً من الصحابة والتابعين الإجماع على تقديم الدليل القاطع على المظنون، وما ذلك إلا بثبوته عنهم، وبنقله إلينا.
[أدلة حُجيِّة الإجماع]:
  وأما الكلام في كونه حجة فاعلم أنه حجة عند جميع الناس، ولا اعتداد بمن قال: إنه ليس بحجة مطلقاً(٣)، كالإمامية والنَّظَّام والخوارج، أو من غير الصحابة، كالظاهرية، أو إذا كان ظنيًّا(٤). وذهب ابن الخطيب الرازي والآمدي إلى أنه حجة ظنية وإن نُقِل تواتراً.
  والحجة لنا على أنه حجة قطعية (يفسق مخالفه) أدلة(٥) كثيرة:
  الدليل الأول: بيّنه بقوله: (لقوله تعالى:) {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى (وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ) نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ١١٥}[النساء]، ووجه الاستدلال بهذه الآية: أن الله تعالى جمع بين مُشاقّة الرسول ÷ واتِّباع غير سبيل المؤمنين بالوعيد، فلو كان اتباع غير سبيل المؤمنين مُباحاً لَمَا جَمَعَ بينه وبين المحظور في الوعيد، ألا ترى أنه لا يجوز أن يقول الحكيم لعبده: إن زنيتَ و شربتَ الماء عاقبتك، فإذا قَبُحَ اتباع غير سبيلهم وجَبَ تجنُّبه، وليس يمكن تجنبه إلا باتباع سبيلهم؛ لأنه لا واسطة ...
(١) أي: التواتر.
(٢) كذا في النسختين، والصواب: «ينقلونه».
(٣) أي: من الصحابة وغيرهم.
(٤) لفظ السيد داود في مرقاة الوصول: وقالت الظاهرية: ليس بحجة إذا كان من غير الصحابة، أو إذا كان ظنياً. ص ٣٥٢.
(٥) في (ج): «بأدلة».