[ما يجوز فيه القياس]
  المسألة بخلاف ما تقدَّم، وحاصله: أنه ذهب الجمهور إلى أن في الشرع جُملاً من الأحكام يمتنع فيها القياس بالدلائل العامة، كما في الحدود والأسباب(١) مثلاً، من غير احتياج إلى تفصيلِ آحادها وبيانِ امتناع القياس فيها، وما سواها يحتاج إلى النظر في تفاصيله. وذهب الشذوذ إلى أنه ليس في الشرع جُملاً كذلك، بل كل مسألة يحتاج فيها إلى النظر في أنها هل يجري فيها القياس أو لا؟ وعلى هذا فالدليل المذكور لا ينفي ما ذهب إليه المخالف؛ لأنه إنما يدل على أن بعض المسائل مما اقتضى النظر فيها بخصوصها امتناع القياس فيها، ولم يدل على ثبوت جُمل يمتنع القياس فيها غير مفتقرة إلى النظر في تفاصيلها، وإذاً فكلام الخصم قوي؛ لأن الدليل على حُجِّيِّة القياس غير مختص ببعض الجمل دون بعض، ولا مُوجِبَ للعدول عن عمومه.
  قلت: وهذا القول الذي اختاره الرازي هو الذي صدَّره في الفصول، وحكاه عن أئمتنا $، والشافعية؛ لأنه قال: ويجري القياس عند هؤلاء في كل مسائل الفروع القابلة للتعليل(٢)، وليس في الشرع جُمل من الأحكام لا يجوز قيام دليل على عللها فيمتنع القياس عليها إلا ما استثني [مما عدل به عن سَنَن القياس كالقَسَامة(٣) ونحوها](٤)، خلافاً للحنفية؛ فيجوز وإن لم يُضطر إليه في الأصح.
[ما يجوز فيه القياس]:
  ويجوز في الخفي، خلافاً لداود. قلت: لم يفرِّق دليل القياس. ويجوز في الحدود، كإيجاب الحد على اللائط قياساً على الزاني، بجامع الإيلاج في فرج مُحرَّم.
(١) كقياس اللواط على الزنا في كونه سبباً لوجوب الحد بجامع الإيلاج المحرّم. هامش (ج).
(٢) لتخرج التعبديات. هامش الفصول.
(٣) وهي عندنا: تحليف وارث قتيل وجد في أي موضع يختص محصورين غيره، لم يدع الوارث قتله عند معينين منهم ولا عند غيرهم - خمسين منهم مختارين ذكوراً مكلفين أحراراً حاضرين وقت القتل ما قتلوا ولا علموا قاتله.
(٤) ما بين القوسين ليس من الفصول وإنما من شرحه.