الأنوار الهادية لذوي العقول،

أحمد بن يحيى حابس (المتوفى: 1061 هـ)

[الاعتراضات]

صفحة 375 - الجزء 1

  فإذا منع المعترض حكم الأصل فقد اختلف في أنه هل يكون بمجرده قطعاً للمستدل أَوْ لا؟ فمنهم من قال: إنه قطع، ولا يُمَكّن من إثباته بالدليل؛ لأنه انتقال إلى حكم آخر⁣(⁣١) شرعي، الكلام فيه بقدر الكلام في الأول سواءً، فقد حيل بين المستدل وبين مَرامه، وشُغِلَ عنه بغيره، فقد ظفر المعترض بما رام، فإن الحيلولة والاشتغال قصارى مطلوبه. والصحيح: أنه لا ينقطع، (و) أن (جوابه) يكون (بإقامة الدليل) على ثبوت حكم الأصل، وإنما ينقطع إذا ظهر عجزه عن إثباته بالدليل؛ وإنما لم يكن قطعاً لأنه ما يعاب من المستدل إلا أن إثباته لحكم الأصل انتقال من إثبات حكم شرعي إلى آخر، ومثل هذا الانتقال إنما يقبح إذا كان إلى غير ما يتوقف عليه إثبات المطلوب، وليس هاهنا كذلك، فلا يقبح، كما لو منع علِّيِّة العلة، أو وجودها في الأصل، أو في الفرع، فإنه يصح فيه⁣(⁣٢) أن يثبتها، ولا يُعَدُّ المنع قطعاً.

  وإذا قد تقرر أن المنع يُسمع، وعلى المستدل إقامة الدليل عليه، فإذا أقام فهل ينقطع المعترض بمجرد إقامته الدليل - حتى لا يُمَكَّن من الاعتراض على مقدمات هذا الدليل - أو لا ينقطع، بل له أن يعترض؟ فيه خلاف، والمختار: أنه لا ينقطع، وله أن يعترض؛ وذلك لأنه لا يلزم من صورة دليله⁣(⁣٣) صحته، ولا بد في ثبوت المقدمة الممنوعة من صحته، فيطالب ببيان صحته، وذلك بصحة المقدمة⁣(⁣٤)، وهو معنى المنع. قالوا: اشتغالٌ بما هو خارج عن المقصود. قلنا: لا نسلم خروجه عن المقصود؛ إذ المقصود لا يحصل إلا به.


(١) لأن حكمه الأول قد سقطت صورته بإسقاط دليله، فإذا مُكّن من إثبات حكمه بدليل آخر فقد انتقل إلى إثبات صورة حكم مثل صورة الحكم الأول. منه. هامش (ب).

(٢) لعلها: «منه».

(٣) أي: المستدل. هامش (ج).

(٤) يعني أن المعترض إذا منع المقدمة احتاج المستدل إلى تصحيح دليله جملة، وذلك إنما يكون بتصحيح تلك المقدمة. منه. هامش (ب).