الأنوار الهادية لذوي العقول،

أحمد بن يحيى حابس (المتوفى: 1061 هـ)

مسألة: [النوع الثالث: شرع من قبلنا]:

صفحة 414 - الجزء 1

  وقيل: عيسى، وقيل: بما ثبت أنه شرع، وتوقّف الإمام يحيى #، والشيخ الحسن، والباقلّاني، وبعض الشافعية. (والمختار) عند أئمتنا $ وجمهور المعتزلة وبعض الفقهاء (أن النبي ÷ لم يكن قبل البعثة متعبداً بشرع).

  لنا: لو كُلِّف بذلك لم يكن له بُدّ من طريق إلى العلم به، ولا طريق له إلى تحقق شرع مَنْ قبله إلا النقل المتواتر، ولا سبيل إليه؛ لعدم الثقة، مع تحريف الكتابين⁣(⁣١)، وأيضاً فإنه لم يعرف بالأخذ عن أحد من أهل الكتاب.

  (و) أما بعد البعثة فالمختار (أنه متعبد بما لم يُنسخ من الشرائع) أما ما نُسخ بدينه فظاهرٌ أنه لم يُتَعَبّد به. وهو رأي المؤيد، وأبي طالب، والمنصور $، وبعض الفقهاء، وحجتهم على ذلك قوله تعالى بعد تعداد جماعة من الأنبياء: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ}⁣[الأنعام ٩٠]، وقوله تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا ...} الآية [الشورى ١٣]، وقوله تعالى: {وَمَنْ لَمَْ يحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}⁣[المائدة ٤٤].

  وعند أكثر أئمتنا $ والجمهور: أنه لم يكن متعبداً بشرع مَنْ قبله، وحجتهم على ذلك: أنه لو تعُبّد بشرع مَنْ قبله لكان يجب أن لا يضاف كل شرعه إليه، ولأضيف ما تَبِعَ غيره فيه إلى شارعه، وكان كالمؤدِّي عنه؛ لأن الشريعة إنما هي للمتبوع، على ذلك جرى الأسلوب⁣(⁣٢). وأيضاً لو كان متعبداً بذلك إذاً لرجعت الصحابة فيما لا نص فيه إلى الكتب السالفة⁣(⁣٣)، لا إلى القياس، فلما لم يرجعوا إليها، بل آثروا القياس عليها - دل على عدم تعبُّده بشيء مما فيها.

  ودفعوا حجة الأولين: بأن الأدلة قد قامت على أنه لم يُتعبّد بشرع مَنْ قبله، فوجب حمل ما احتجوا به من الآيات الكريمة على ما يوافق تلك الأدلة؛


(١) أي: التوارة والإنجيل.

(٢) قال في القسطاس: قد يدفع هذا بأنه إنما يلزم ذلك لو أخذه من الشارع الأول، إما سماعاً منه أو بنقل أحد من البشر، أما إذا أخذه عن الله فلا يلزم إضافته إلى من كان شرعاً له.

(٣) في (ج): «السابقة».