مسألة: [أقسام المجاز]:
  (و) النوع الثاني من نوعي المجاز هو أن يكون (استعارة) وهي ما كانت العلاقة فيه المشابهة، أي: قُصد أن الإطلاق بسبب المشابهة، فإذا أطلق المِشْفَر على شفة الإنسان: فإن قُصد تشبيهها بمشفر الإبل في الغلظ فهو استعارة، وإن أريد أنه من إطلاق المقيد على المطلق(١) - كإطلاق المَرسِن(٢) على الأنف - من غير قصد إلى التشبيه فمجاز مرسل، فاللفظ الواحد بالنسبة إلى المعنى الواحد قد يكون استعارة وقد يكون مرسلاً. ومن أمثلة الاستعارة قوله: (كالأسد للرجل الشجاع) لاشتراكهما في الصفة، وهي الشجاعة.
  وللمجاز قسمة ثالثة، وهي أنه قد يكون مفرداً كما مر (وقد يكون مركباً) وهو اللفظ المستعمل فيما شُبِّه بمعناه الأصلي تشبيه التمثيل. فقولنا: «الأصلي» أي: المعنى الذي يدل عليه ذلك اللفظ بالمطابقة. وقولنا: «تشبيه التمثيل» وهو ما يكون وجهه منتزعاً من متعدد، واحترزنا بهذا عن الاستعارة في المفرد، وإنما قصد ذلك للمبالغة في التشبيه، وذلك (كما يقال للمتردد في أمرٍ: أراك تقدم رجلاً وتؤخر أخرى(٣)) شبّه صورة تردده في ذلك الأمر بصورة تردد من قام ليذهب، فتارة يريد الذهاب فيقدم رجلاً، وتاره لا يريده فيؤخر(٤) أخرى، فاستعمل في الصورة الأولى الكلام الدال بالمطابقة على الصورة الثانية، ووجه الشبه - وهو الإقدام تارة والإحجام أخرى - منتزع من عدة أمور كما ترى.
  وله قسمة رابعة، وهي أنه قد يقع في المفرد كما مر في استعمال الأسد للرجل الشجاع (وقد يقع في الإسناد) وهو المجاز العقلي، وهو إسناد الفعل أومعناه إلى
(١) المقيد هو: شفة البعير، والمطلق هو شفة الإنسان، من حيث إنها فرد من أفراد مطلق شفة، فمشفر أطلق على شفة الإنسان باعتبار ما تحقق فيها حيث كونها مقيدة بالإنسان، وإلا كان من إطلاق المقيد على المقيد. هامش شفاء غليل السائل ٢/ ٥٥ ط/١ مكتبة أهل البيت (ع).
(٢) المَرسِن: أنف البعير.
(٣) أي: تؤخرها مرة أخرى.
(٤) عبارة السعد: «فيؤخرها».