الأنوار الهادية لذوي العقول،

أحمد بن يحيى حابس (المتوفى: 1061 هـ)

مسألة: [إذا تردد اللفظ بين المجاز والاشتراك فعلام يحمل]:

صفحة 464 - الجزء 1

  أما الأول فظاهر؛ إذ المجاز أكثر من الاشتراك، عُلِم ذلك بالاستقراء، والظن قاضٍ بلحاق المفرد بالأكثر، ولأنه قد يكون أبلغ؛ فإن {وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا}⁣[مريم ٤] أبلغ من شبت، وأوجز كما تقدم، وأوفق: إمَّا للطبع؛ لثقل في الحقيقة، كالخَنْفقيق للداهية⁣(⁣١)، أو لعذوبة في المجاز، كالروضة في المقبرة، وإمَّا للمقام؛ لزيادة بيان، كالأسد للشجاع؛ لكونه بمثابة دعوى الشيء ببينة، أو تعظيم، أو تحقير، كالشمس للشريف، والكلب للخسيس.

  ولأنه يتوصل به إلى أنواع البديع: السجع، نحو: حمار ثرثار. المطابقة، نحو: ضحك المشيب برأسه فبكى⁣(⁣٢). المشاكلة، نحو: كلما لج قلبي في هواها لجت في مقتي. المجانسة، مثل: يحيا لدى يحيى بن عبدالله⁣(⁣٣). الروي، مثل:

  عارضنا أصلاً فقلنا الربرب⁣(⁣٤) ... حتى تبدّى الأُقحُوان⁣(⁣٥) الأشنبُ

  بخلاف: بليد ثرثار، وظهر المشيب، وازداد هواي، ويوجد لدى يحيى، وسنهُنَّ الأبيض.

  قلت: وهذه الأمور هي التي يعدل عن الحقيقة - التي هي الأصل - إلى المجاز بسببها.

  وأما الثاني فلأن المجاز لا يُخلُّ بالتفاهم؛ إذ يحمل مع القرينة عليه، ودونها على الحقيقة، بخلاف الاشتراك عند خفاء القرينة؛ إذ لا يفهم منه حينئذٍ شيء على التعيين، ولأنه يكفي فيه قرينة واحدة، والمشترك يحتاج إلى قرينتين بحسب معنييه.


(١) ذكر معناه في شرح الجمع. وأما ما ذكره أهل المعاني ففيه أن المعبّر به أثقل من المعبّر عنه، والله أعلم. مؤلف نقلاً من هامش (أ).

(٢) هذا عجز بيت صدره: لا تعجبي يا سلم من رجل.

(٣) هذا عجز بيت صدره: ما مات من كرم الزمان فإنه.

(٤) أي: بقر الوحش.

(٥) بضم الهمزة والحاء: نبات له نور أبيض يشبهون الأسنان به.