الدليل الثاني: السنة
  وهما بتفسير الجاحظ أخص من التفسيرين الأولين.
  وفائدة الخلاف تظهر في مسائل: منها: نقض الوضوء، ومنها لو حلف ليصدقن أو ليكذبن، أو نحو ذلك.
  والمختار عندنا: قول أئمتنا $ والجمهور؛ لما رواه الثقات عن عائشة - وهي عربية اللسان - أنها قالت: «فُلانٌ يكذب ولا يعلم أنه يكذب»، فسمّت مَن لم يعلم أنه يكذب(١) كاذباً، وهذا نص على خلاف ما زعمه الجاحظ.
  دليل آخر، يلزمه أن يَصِفَ اليهود والنصارى حيث وصفوا الرسول ÷ بأنه كاذب - بأنهم غير كاذبين في ذلك الخبر، والإجماع يمنع من ذلك. قال أبو الحسين: بنى الجاحظ على مذهبه أن الكفار معذورون حيث لم يعاندوا ولم يكابروا. قال الإمام المهدي #: والحجة الثالثة: قوله تعالى: {إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ ١٤٨}[الأنعام]، فسمّى مُتبِّع الظنِّ خارصاً، والخارص: الكاذب.
  لا يقال: إنا لا نُسلِّم أن الخارص في الآية هو مُتّبِع الظن، بل أراد أنهم يتبعون الظن تارة، ويخرصون تارة، سلَّمنا أن الخارص هو مُتّبع الظن، فلا نسلّم أن الخارص في اللغة: هو الكاذب، وإنما هو مُتبع الوهم، ومُتّبع الوهم ليس بكاذب عند الجاحظ، فلا حجة عليه في الآية؛ لأنا نقول(٢): أما قولك: «الخارص في الآية ليس مُتّبع الظن» فليس بصحيح؛ لأنه تعالى قال أولاً: {إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ}، فنفى عنهم اتباع كل شيء إلا الظن، فلو أثبت لهم بعد ذلك اتباع غيره كان الكلام متناقضاً قطعاً، فلم يبق إلا أنّ الخَرْص فيها هو اتّباع الظن من غير شك؛ فثبت أن الخارص مُتّبع الظن.
  وأما قولك(٣): «إن الخارص ليس بكاذب، بل مُتَّبع الوهم» فذلك باطل؛
(١) في (ب): «يكذب».
(٢) أي: رداً على القائل. من (أ).
(٣) يعني نقلاً عن اللغة. من (أ).