مسألة: [الخلاف في جواز التعبد بخبر الواحد]:
  وذلك هو معنى الوجوب، ولا يمكن المخالف مدافعة ذلك.
  دليل آخر: وجوب العمل بالشهادة(١) عند كمالها، فإنه يجب على الحاكم العمل بمقتضاها. وهذا الوجه مُركَّب من العقل والشرع(٢)، وتحريره: أنا قد علمنا من دينه ÷ أن الحاكم إذا قامت له الشهادة المشروعة لزمه العمل بمقتضاها، وعرفنا ذلك عن أمر الله تعالى، وهو عدل حكيم، فلولا أن في العمل بالظن في بعض الأحوال مصلحة لما حَسُنَ منه أن يوجب ذلك، فعلمنا بمجموع هذين الدليلين جواز التعبُّد به عقلاً.
  هذا(٣) الكلام في الجواز، وأما الوقوع فاختُلف فيه أيضاً، فعند أئمتنا $ والجمهور: أنه قد وقع التعبّد به (و) حينئذٍ (يجب العمل به في الفروع) أي: فروع الفقه العملية، دون الأصول والعلمية. ولكن اختلفوا، فقال الأكثر: إنه بالسمع، وسيأتي. قال في الفصول: وهو مذهب أئمتنا $ والطوسي(٤) والأشعرية، قالوا: والعقل مُجوِّز. وقال ابن سريج(٥) والقفّال(٦) وأحمد بن حنبل وأبو عبدالله: بالعقل فقط، وقد تقدم، ورواه ابن الحاجب عن أبي الحسين. وروى أصحابنا عنه أنه واقع عقلاً وسمعاً. وروى مثل هذا(٧) في العِقْد والفصول عن أحمد وابن سريج والقفّال.
  وقيل: لم يقع التعبد به، ثم اختلفوا، فقيل: منعه السمع، وهو قوله تعالى: ...
(١) هذا مثال وقوع التعبد به شرعاً. قسطاس.
(٢) ذكر في القسطاس أن هذا دليل شرعي فقط، وهو الظاهر. والله أعلم.
(٣) في (أ): «وهذا».
(٤) هو محمد بن الحسن بن علي الطوسي، له تصانيف عدة، منها «تهذيب الأحكام» و «الاستبصار»، (ت ٤٤ هـ)، ودفن في النجف.
(٥) ابن سريج: هو أبو العباس أحمد بن عمر بن سريج البغدادي، من أئمة الشافعية في العراق، (ت ٣٠٣ هـ).
(٦) القفّال هو: أبو بكر محمد بن علي بن إسماعيل القفال الشافعي، (ت ٣٣٦ هـ). طبقات الفقهاء ١/ ١٢٠.
(٧) أي: أنه واقع عقلًا وسمعًا.