الدليل الثاني: السنة
  {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}[الإسراء ٣٦]، و قوله: {إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ}[الأنعام ١١٦]، وقوله: {إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا}[يونس ٣٦]، وقوله ÷: «دع ما يُربيك إلى ما لا يُريبك»، إلى غير ذلك مما يمنع من العمل به. وروى في الفصول عن البغدادية والإمامية والظاهرية والخوارج امتناعه سمعاً وإن جاز عقلاً. وقد قيل: إنه لم يمنعه سمع، لكن لم يَرِد(١).
  قلت: والظاهر أن طريق وقوعه العقل والسمع معاً، كما حكاه أصحابنا عن أبي الحسين ومن معه في الرواية المتقدمة، أما وقوعه بطريق العقل فلما تقدَّم(٢)، وأما بطريق الشرع فلذلك وجهان:
  أحدهما: عمل النبي ÷ (إذ كان ÷ يبعث الآحاد) من السعاة والعُمّال (إلى النواحي) النازحة عنه (لتبليغ الأحكام) لِيعمَلَ على أخبارهم الناسُ، فإنه كان يبعثهم لقبض الزكاة والأعشار، وتعريف سائر الأحكام، كبعثه معاذاً إلى اليمن، وغيره من عماله، وذلك ظاهر من صنيعه ÷.
  (و) الوجه الثاني: (العمل) الصادر من الصحابة ¤ (به) وهم مُجمعون على ذلك، يوضّحه أنه لما اشتبه عليهم وجوب الغُسل من التقاء الختانين رجعوا إلى أزوج النبي ÷. وقال عمر: ما أدري ما أقول في المجوس، وكثرت مسألته عن ذلك، فلمَّا روى له عبدالرحمن(٣) عن النبي ÷: «سُنُّوا بهم سُنَّة أهل الكتاب» صار إلى ذلك. وكان يرى أن لا شيء في الجنين
(١) أي: لم يرد دليل سمعي على وجوب العمل به، ويتأولون هذه الحجج بأن المطلوب فيها العلم لا العمل. مرقاة الوصول شرح معيار العقول ص ٢٧٢ مركز الإمام عز الدين بن الحسن (ع).
(٢) فيمن أحضر إليه طعام.
(٣) هو: عبدالرحمن بن عوف أبو محمد القرشي الزهري، أسلم قديماً وهاجر وشهد المشاهد ... وميله عن أمير المؤمنين يوم الشورى وعدوله إلى عثمان بن عفان مشهور، وقد خرج له أئمتنا $ الثلاثة المؤيد بالله وأبو طالب والمرشد بالله، (ت ٣١ هـ أو ٣٣ هـ)، ودفن بالبقيع. لوامع الأنوار للإمام الحجة مجد الدين المؤيدي # ٣/ ٢١١ و ٢١٢ ط/الثالثة.