مسألة: [الخلاف في قبول رواية فاسق التأويل وكافره]:
  وللمؤيد بالله # قولان، أظهرهما القبول.
  وأما فاسق التأويل - وهو من أتى من أهل القبلة بما يوجب فسقه غير متعمد، كالخوارج(١)، والنواصب، والبغاة على أئمة الحق - فعند بعض أئمتنا $، وأبي الحسين، والقاضي، والغزالي، وأكثر الفقهاء: أنه يقبل. وعند بعض أئمتنا $، ومالك، والشيخين(٢)، والباقلاني: لا يقبل. وتوقَّف أبوطالب #. ومنهم(٣) من فرق بين الكافر والفاسق، فقال: يقبل الفاسق دون الكافر.
  حجة من قبلهما إجماع الصحابة على قبول خبر الفاسق المتأوِّل(٤)؛ لأن الفتنة لمَّا وقعت بين الصحابة كان بعضهم يُحدِّث عن بعض، ويُسْندُ الرجلُ إلى من يخالفه، كما يُسند إلى من يوالفه، من غير نكير من بعضهم على بعض في ذلك، فكان إجماعاً. يوضحه: أن عليًّا # لم يُنقل عنه رد ما رواه طلحة والزبير وعائشة حين خرجوا لقتاله، ولا ما رواه عبدالله بن عمرو بن العاص، مع كونه في جيل معاوية، وكذلك أبو هريرة كان كثيراً ما يأتي معاوية، ولم يُقدح فيه إلا بالسهو. قالوا: وقد علم أن السلف كالحسن، وقتادة، وعمرو بن عبيد، وأئمة أهل البيت $ قد روى عنهم مخالفوهم مع علمهم بمذهبهم في العدل، وتكفيرهم إياهم. قالوا: ولأنه يحصل الظن بصدقه؛ إذ من يعتقد الكذب كفراً كالخوارج الظن(٥) بصدقه أقوى.
(١) قال السيد العلامة محمد بن عبدالله عوض - حفظه الله تعالى -: أما الخوارج والناكثون والقاسطون فقد جرحهم النبي، وصح عنه أنه أمر بقتالهم، وأنه قال في علي: «لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق» ... إلى قوله: وهذا الجرح المروي عن النبي يُخلَّ بالعدالة وينافيها. باختصار من مبحث كثير الفائدة فارجع إليه في كتابه من ثمار العلم والحكمة ط/ الأولى ص ٥٦٠ وما بعدها.
(٢) أي: أبي علي وأبي هاشم.
(٣) وهو الغزالي.
(٤) قال في القسطاس: إذ الباغي فاسق متأوِّل.
(٥) والمعتبر في قبول الرواية هو الظن؛ فلزم العمل بخبره، وعصيانه في اعتقاده لا يقدح. قسطاس.