[الدليل الثالث الإجماع]
  وقد يقال: إن الكلام في اعتبارهم كالكلام في اعتبار من سيوجد، وهو لا يعتبر إلا عند من اشترط انقراض العصر، ومن زعم أنه لا يكون حجة إلا إذا كان قول جميع الأمة إلى انقطاع التكليف، وكلاهما سنبطله فيما سيأتي إن شاء الله تعالى.
  ولا يشترط عدد التواتر في المجتهدين، خلافاً للجويني، فلو لم يبق إلا دون أقل الجمع فحجة، خلافاً للدواري، والسبكي، وغيرهما.
  قلت: وظاهر حَدِّ المصنف أنه لا يُسمى إجماعاً؛ لأنه قال: «اتفاق المجتهدين» وأقلُّ الجمع ثلاثة(١).
  قال في الفصول: فإن لم يبق منهم إلا مجتهد فحجة في الأصح(٢).
  قلت: ولا أظن قوله وحدَهُ يُسمّى إجماعاً، وبه يُشعِر كلام المصنف.
  والمراد بالعدول: مَن شمله حد العدالة، وقد تقدم. وهو يقتضي أنه لا يُعتبر في الإجماع كافر ولا فاسق، ولا مجروح العدالة بأيِّ وجه، أما كافر التصريح وفاسقه فلا شبهة، وأما المتأوِّل منهما فحيث اعتبر نفي البدعة في حد العدالة. ومن قال: «المؤمنين» مكان «العدول» فهو مبني على أنه يشترط في الإجماع وانعقاده كون المجمعين مؤمنين(٣)، كأبي علي؛ فلا يعتبر المصدقون بنبينا ÷ من مؤمن(٤) وفاسق، واعتبرهم(٥) أبو هاشم(٦)، ووافقه جعفر بن مبشِّر،
(١) قال الطبري: «وقول بعض الشراح: «إن ظاهره يقضي بأنه لا ينعقد بدون أقل الجمع» فيه أن «أل» جنسية مبطلة لمعنى الجمعية، كما ذكروا في: {وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}».
(٢) أي: في الأصح من القولين؛ لأنه قد صار في هذه الحال أهل الإجماع؛ لعدم غيره، واعترض على هذا بأن الدليل إنما دل على اتباع جماعتهم، ولم يدل على اتباع الواحد. الدراري المضيئة.
(٣) أي: الإيمان الاصطلاحي، وهو الإتيان بالوجبات واجتناب المقبحات. مرقاة الوصول شرح معيار العقول للسيد داود ص ٣٥٨.
(٤) أي: لغة. من (ب).
(٥) في (أ): «واعتبر بهم».
(٦) قال: لأن الدليل على كون الإجماع حجة إنما هو قوله ÷ «لا تجتمع أمتي على ضلالة» وظاهره عام لجميع الأمة، والأمة تطلق على المصدق من مؤمن وكافر. مرقاة الوصول للسيد داود.