الأنوار الهادية لذوي العقول،

أحمد بن يحيى حابس (المتوفى: 1061 هـ)

[أدلة حجية الإجماع]

صفحة 250 - الجزء 1

  بين اتباع سبيلهم وغير اتباع سبيلهم؛ إذ التارك له غير مُتَّبع.

  واعترض بأن استعمال السبيل مجازٌ؛ إذ هو حقيقة فيما يُسلك⁣(⁣١) على وجه الأرض، فيحتمل النهي عن مخالفتهم بالإيمان بالله ورسوله، والتوحيد والعدل، وغايته أنه يقتضي النهي عن مخالفة سبيلهم أي⁣(⁣٢) سبيل سلكوا، وذلك من جهة العموم، ودلالته ظنية، فلا تثمر الآية القطع.

  قلت: لا نسلّم عدم إثماره⁣(⁣٣) القطع؛ إذ هو في علمي، وما هو كذلك فدلالته قطعية عند أئمتنا $، والمعتزلة؛ للقطع بمتنه ومدلوله، على ما سيجئ بيانه إن شاء الله تعالى.

  لا يقال: ظاهر الآية اشتراط الإيمان فيهم، وكون إجماعهم حجة متوقِّف على معرفته في كلٍّ منهم، ولا سبيل إليها؛ لأنا نقول: إذا لم يعلم الإيمان على التفصيل - من حيث تعذَّر علم الغيب علينا - وجب اعتبار الظاهر من الإيمان، فيدخل المصدقون ولو كانوا فُسَّاقاً، كما هو مذهب أبي هاشم، وإلا لم يدخل المؤمنون قطعاً، وخلت الآية عن الفائدة؛ لأنها قد أفادت اعتبار المؤمنين قطعاً. أو يقال: المراد بالمؤمنين المصدقون.

  الدليل الثاني: قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا (لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ) وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}⁣[البقرة ١٤٣]، ووجه الاستدلال بهذه الآية: أن الله تعالى اختارهم له شهداء على الناس؛ من حيث حكم بخيرتهم⁣(⁣٤) ليكونوا شهداء؛ لأن الوسط من كل شيء خياره، ومنه قوله تعالى: {قَالَ أَوْسَطُهُمْ}⁣[القلم ٢٨]، أي: أعدلهم، وهو تعالى لا يختار شهداء إلا العدول


(١) في (ب): «فيما سلك». وفي (أ): «فيمن سلك».

(٢) في (ب): «أية».

(٣) في (ج): «إثمار».

(٤) في (ب): «بخيريتهم».