الأنوار الهادية لذوي العقول،

أحمد بن يحيى حابس (المتوفى: 1061 هـ)

[الخلاف في التعبد بالقياس الشرعي]

صفحة 266 - الجزء 1

  فإذا علمنا احتياجها، وأن علة الاحتياج إنما هي الحدوث - قسنا على ذلك حدوث العالم، فبهذا⁣(⁣١) التدريج يُعرف أنْ لا طريق إلى إثبات الصانع إلا القياس. وخالف في ذلك أبو القاسم، وأبو الحسين، والإمام يحيى #، والرازي، وسلكوا في إثباته طريقاً غير هذا، بأن قالوا: العالم حَدثَ مع الجواز، فلا بُدَّ من مؤثِّر. وموضعه علم الكلام.

[الخلاف في التعبد بالقياس الشرعي]:

  وأما الشرعي فقد اختلف في التعبُّد به، قال سعد الدين - ورواه عن الآمدي وشارحي المنتهى -: إن معنى التعبد: إيجاب الشارع القياس وإلحاق الفرع بالأصل، وذلك على المجتهد خاصة. واعترض⁣(⁣٢) عضدَ الدين في تفسيره للتعبّد حيث قال: هو أن يوجب الشارع العمل بموجبه. فعند المنصور بالله #، والشيخ الحسن، وحفيده أنه وارد عقلاً وسمعاً. ورواه في الجوهرة عن أبي الحسين، ورواه في العضد عنه أيضاً وعن القفَّال.

  أما العقل فإنا إذا ظننا بأمارة شرعيةٍ علةَ حكمِ الأصل، ثم علمنا بالعقل أو بالحسِّ ثُبوتها في شيء آخر - فإن العقل يوجب قياس ذلك الشيء على ذلك الأصل.

  مثال ذلك: إذا علمنا بطريق شرعي أن قبح شرب الخمر يحصل عند شدتها، وينتفي عند انتفاء شدتها - كان ذلك أمارة تفيد الظن بكون شدتها هي علة تحريمها، فيُعلم بالعقل وجوب قياس النبيذ على الخمر حيث حصل فيه مثل شدة الخمر. وإنما قلنا: «إن ذلك يعلم بالعقل» لأن العقل يقضي بقبح فِعْلِ ما قامت فيه أمارة المضرة، وقد علمنا ضرورة أن أمارة المضرة قد قامت في النبيذ،


(١) في (ج): «وبهذا».

(٢) أي: سعد الدين.