الأنوار الهادية لذوي العقول،

أحمد بن يحيى حابس (المتوفى: 1061 هـ)

[الدليل الرابع القياس]

صفحة 297 - الجزء 1

  العلة. ومسائل الاستحسان هي ما يعدل عن الحكم فيها بحكم نظائرها لدلالة تخصها - كما سيأتي، كمسألة المُصرَّاة، فإن رسول الله ÷ قضى فيها بأن تُردُّ ويُردّ معها صاع من تمر عوضاً عن اللبن، وهو من المثليات، والمثلي مضمون بمثله، فحصلت العلة - وهي كونه مثليًّا - وتخلف الحكم. وكمسألة القهقهة ونبيذ التمر، فإن تغير الماء بطاهر غير مُطهر يبطل إجزاءه في الوضوء، وقد حصل في نبيذ التمر وتخلف الحكم، وهو بطلان الوضوء. وكذلك القهقهة في الصلاة يبطل بها الوضوء، ولم يبطل بها حيث كانت غالبة، فتخلف حكمها، فلما تخلفت الأحكام عن هذه العلل، وقد قطعوا بأن العلة الصحيحة تطرد ولا يتخلف عنها حكمها - حكموا بأنها إنما أخرجت من العموم، وهو نحو: «المثلي مضمون بمثله»، فحكمه ÷ في لبن المُصرَّاة مُخصِّصٌ لهذا اللفظ، لا للقياس، أو بأنها مخالفة لمقتضى القياس وأخرجت منه، لكن لا على جهة النقض، بل لأن ما اقتضى خروج هذه المسائل عن اطراد الحكم فيها وخصصها⁣(⁣١) جُعل⁣(⁣٢) قيداً في العلة، مثاله: لو قيل في مثلي أُتلف: مثلي فيضمن بمثله؛ لأنه مثلي في غير المُصرّاة، ونحو ذلك.

  وروى في الفصول عن أئمتنا $ والجمهور جواز تخصيص العلة، وهو المحكي عن أبي طالب # وأبي عبدالله ومالك وقدماء الحنفية، قالوا: لأنها أمارة، فجاز اقتضاؤها الحكم في موضع دون آخر؛ إذ الأمارة ليس يجب ثبوت حكمها معها على كل حال، بل الواجب مواصلة حكمها لها في الغالب.

  وقال بعض الشافعية: يشترط في المنصوصة لا المستنبطة؛ لمانع أو عدم شرط. وقيل: عكسه⁣(⁣٣) كذلك. وقيل: مطلقاً، أي: يشترط في المنصوصة لا المستنبطة


(١) في (ب): «تخصيصهما».

(٢) خبر أن.

(٣) قوله: «عكسه» أي: يشترط الاطراد في المستنبطة لا المنصوصة.