الأنوار الهادية لذوي العقول،

أحمد بن يحيى حابس (المتوفى: 1061 هـ)

فرع: [تخلف الحكم عن العلة]:

صفحة 299 - الجزء 1

  فقد قيد من قيودها المعتبرة⁣(⁣١)، أو ادعاء ثبوت الحكم⁣(⁣٢)، أو إظهار مانع من ثبوته⁣(⁣٣).

  (و) من شروط العلة: (أن تنعكس) وهو انتفاء الحكم لانتفائها (على رأي) بعض العلماء، ولا يُشترط ذلك على آخر.

  والخلاف مبني على جواز تعليل الحكم الواحد بعلتين مختلفتين أو علل مختلفة، كل واحدة منهما أو منها مستقلة باقتضاء الحكم، فمن جوَّزه لم يشترطه⁣(⁣٤)، ومن منعه اشترطه؛ لأنه إذا جاز ذلك صح أن ينتفي الوصف ولا ينتفي الحكم لوجود الوصف الآخر وقيامه مقامه، وأما إذا لم يَجُز فثبوت الحكم دون الوصف يدل على أنه ليس علة له ولا⁣(⁣٥) أمارة عليه، وإلا لانتفى الحكم بانتفائه؛ لوجوب انتفاء الحكم عند انتفاء دليله.

  وقد اختار جمهور العلماء جواز تعدد العلة، قالوا: لأنه لو لم يجز لم يقع ضرورة، وقد وقع، فإن اللمسَ والمسَّ والبول والمذيَ والغائظَ أمورٌ مختلفة الحقيقة،


(١) أي: المعتبرة في عِلِّيِّة الوصف، كقول الشافعي في حق من لم يبيّت النية: تجرد أول صومه عنها فلا يصح، فيجعل عراء أول الصوم عن النية علة لبطلانه. فيقول الحنفي: هذا ينتقض بصوم التطوع، فإنه يصح بدون تبييت، فيدفعه الشافعي: بأن العلة في البطلان هو أنه عراء أول الصوم بقيد كونه واجب الصوم، وهذا القيد مفقود في التطوع، فلم توجد العلة فيه. هامش (أ).

(٢) أي: في تلك الصورة التي نقض بها المعترض، مثاله: قول الشافعي: السَلَم عَقْد معاوضة، فلا يشترط فيها التأجيل، قياساً على البيع. فينقضه الحنفي بالإجارة، فإنه عقد معاوضة مع أن التأجيل مشترط فيها. فيقول الشافعي: ليس الأجل شرطاً لصحة عقد الإجارة، بل التأجيل الذي فيها إنما هو الاستقرار المعقود عليه، وهو الانتفاع بالعين؛ إذ لا يتصور استقرار المنفعة المعدومة، ولا يلزم من كون الشيء شرطاً في الاستقرار أن يكون شرطاً في الصحة. (أ) نهاية السؤل شرح منهاج الوصول.

(٣) مثاله: أن يقول الشافعي: القتل العمد العدوان علة في وجوب القصاص، وحينئذٍ يجب في المثقل. فينقضه الحنفي بقتل الوالد لولده. فيقول الشافعي: إنما لم يوجبه على الولد لوجود المانع، وهو كون الوالد سبباً لوجود الولد، فلا يكون الولد سبباً في عدمه. هامش (أ). الابهاج شرح المنهاج.

(٤) أي: انعكاس العلة.

(٥) سقط من (أ): «لا».