الأنوار الهادية لذوي العقول،

أحمد بن يحيى حابس (المتوفى: 1061 هـ)

مسألة: [طرق العلة]:

صفحة 321 - الجزء 1

  ويدل على أنه لا بد للحكم من علة وجهان:

  أحدهما: الإجماع على ذلك، فهو دليل دليل العلة⁣(⁣١)، لا دليل العلّيّة.

  وثانيهما: قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ١٠٧}⁣[الأنبياء] فظاهر الآية التعميم، فيفهم منه مراعاة مصالحهم فيما شرع لهم من الأحكام كلها؛ إذ لو أُرسل بحكم لا مصلحة لهم فيه لكان إرسالاً لغير⁣(⁣٢) الرحمة؛ لأنه تكليف بلا فائدة، فخالف ظاهر العموم. ولو سلَّمنا انتفاء قولنا: «لا بد للحكم من علة» فالتعليل هو الغالب على أحكام الشرع؛ وذلك لأن تعقل المعنى ومعرفة أنه مُفْضٍ إلى مصلحة أقرب إلى الانقياد من التعبد المحض؛ فليحمل الفرد على الأعم الأغلب. ثم إذا ثبت ظهور علّيّة وصف بشيء من المسالك، وحصل ظن عِلِّيته - وجب اعتبارها والحكمُ بها؛ للإجماع على وجوب العمل بالظن في علل الأحكام، إلا أن ذلك في المناسبة لا يتوقف على كون الحكم الذي نحن فيه معللاً، بل مجرد المناسبة كافٍ في ظن العلّيّة، بخلاف مثل السبر. وإذا كان طريقها المناسبة سُمِّيَ: قياس الإخالة، أو إيهامها⁣(⁣٣) سُمِّيَ: قياس الشبه، أو التقسيم والسبر سُمِّيَ: قياس السبر، أو الطرد والعكس سُمِّيَ: قياس الاطراد.

  والحكم التعبدي: ما ثبت فيه الحكم لا لمصلحة⁣(⁣٤)، وهو خلاف الأصل؛ فإن الأحكام في الغالب إنما تثبت بالتعليل، لا بمجرد التعبُّد كما حققنا.

  وأما الكلام التفصيلي في طرق العلة فقد ذكره المُصَنِّف ¦ حيث قال: (وطرق العلة(⁣٥)) من حيث هي هي (أربع) الإجماع، والنص، والسبر


(١) في (ب): «العلية».

(٢) في (ب): «بغير رحمة».

(٣) أي: وإذا كان طريقها إيهام المناسبة.

(٤) أي: لا لعلة. هامش (أ).

(٥) أي: الطرق التي يعرف بها كون العلة علة.