مسألة: [طرق العلة]:
  الدوران بذلك الشرط، أعني: ورود دليل على تعليل الأصل جملة، وبشرط ورود التعبد بالقياس، وبشرط أن لا يجد المجتهد ما هو أولى منه من مؤثر أو مناسب؛ إذ هو أخفض طبقات التعليل. وذكر في العِقْد أنه يدل عليه بنفسه بزيادة هذا القيد الأخير، وهو أن لا يكون ثَمَّ ما تعليق الحكم به أولى، قال: والدليل على ذلك أن الحكم لا بد له من علة، فلو استند إلى غير ذلك الوصف لم يَخْلُ ذلك الغير: إما أن يكون موجوداً قبل الحكم، وفي هذا تخلف المعلول عن العلة، وإما أن يكون معدوماً قبله فالأصل البقاء على العدم؛ إذ لا دليل على وجوده، فيتعين هذا الوصف.
  وبعدُ، فمن دُعيَ باسم فغضب، ثم إذا زال الدعاء بذلك الاسم زال الغضب، فإذا أعيد الدعاء به عاد الغضب، فإنا نعلم أنَّ علةَ الغضب الدعاءُ بذلك الاسم اتفاقاً، فإذا دل الدوران في هذا الموضع فكذلك في غيره.
  فعلى هذا العلة في علّيّة الدوران مركبة من ثلاثة أجزاء، وهي: الطرد، والعكس، وزوال ما هو أولى بتعليق(١) الحكم.
  والذي ذكره ابن الحاجب وغيره في الدوران أنه اختلف فيه على مذاهب: أحدها: يفيد بمجرده ظنًّا. ثانيها: يفيد قطعاً. ثالثها - وهو المختار عنده -: لا يفيد قطعاً ولا ظنًّا. قلت: وذكر الإمام المهدي # أن في كلام ابن الحاجب ما يُشعر بمثل ما اختاره، وهو أنه يكون طريقاً مستقلاً يُحتاج إلى تقويته بأن يعلم تعليل الحكم جملة، وإلا فموضع اجتهاد، كما مر.
  قال سعد الدين على كلام ابن الحاجب: قد اعتبروا في الدوران صلوح العلّيّة، ومعناه: ظهور مناسبةً مّا، وقد جعل مجرد الطرد هنا خالياً عن المناسبة، فصار هذا منشأ الاختلاف في إفادته العلّيّة؛ إذ لا خفاء في أن الوصف إذا كان ...
(١) في (ج): «بتعلق».