الأنوار الهادية لذوي العقول،

أحمد بن يحيى حابس (المتوفى: 1061 هـ)

[الدليل الخامس: الاستدلال]

صفحة 406 - الجزء 1

  ما انتشر عن الصحابة من القول بالرأي، والعمل في الحوادث على أحكام لم يرجعوا فيها إلى أصل معين. ويدل على ذلك: ما قد ثبت من أحوال عمل الأئمة والقضاة في مقادير الأرشِ، والتعزيرِ، وقِيَمِ المُتلفات، ونحو ذلك مما لا يَستند إلى أصل معين.

  نعم، قد (قالوا) في تحقيق الاستدلال (و) حدِّه (هو ما ليس بنص ولا إجماع ولا قياس علة). فعلى الأول⁣(⁣١) يخرج عن الاستدلال جميع أقسام القياس، قال السبكي: حتى قياس العكس. وعلى هذا⁣(⁣٢) يدخل فيه قياس الدلالة، والقياس في معنى الأصل.

  واعلم أن الفقهاء كثيراً ما يقولون: وُجدَ السبب فيوجد الحكم، أو وُجِدَ المانع أو فُقِدَ الشرط فيعدم الحكم. فقيل: ليس بدليل، إنما هو دعوى دليل، فهو بمثابة قوله: وُجِدَ دليل الحكم فيوجد الحكم، ولا يكون دليلاً ما لم يُعيَّن، وإنما الدليل ما يستلزم الحكم، وهو وجود السبب الخاص، أو وجود المانع، أو عدم الشرط المخصوص.

  وقيل: هو دليل؛ إذ لا معنى للدليل إلا ما يلزم من العلم به العلم بالمدلول⁣(⁣٣)، غاية ما في الباب أن قولنا: «وجد السبب» يفتقر إلى بيان.

  وإذا بنينا⁣(⁣٤) على أنه دليل فقيل: هو استدلال مطلقاً؛ لأنه غير النص والإجماع والقياس. وقيل: هو استدلال إن ثبت وجود السبب أو المانع


(١) هو قوله في الصفحة السابقة: «وهو ما ليس بنص ولا إجماع ولا قياس».

(٢) أي: وعلى هذا الحد وهو: «هو ما ليس بنص ولا إجماع ولا قياس علة».

(٣) قال في القسطاس بعد قوله: «بالمدلول»، وقولنا وجد السبب فيوجد الحكم ونحوه يلزم من العلم به العلم بالمدلول، غاية ما في الباب ... إلخ.

(٤) في (ج): «بينّا»، وفي (أ): «تبينا»، وما أثبتناه في (ب)، وهو الموافق لمراجع المؤلف، كالقسطاس والمنهاج.