الأنوار الهادية لذوي العقول،

أحمد بن يحيى حابس (المتوفى: 1061 هـ)

[الدليل الخامس: الاستدلال]

صفحة 417 - الجزء 1

  وحاصل هذا الحد: أنه تخصيص قياس بأقوى منه، مثلاً: القياس يقتضي أن المثلي يضمن بمثله، فالعمل بنحو خبر المُصرّاة استحسان؛ لأنه كخاص ورد على عام، والخاص أقوى.

  قال سعد الدين: (و) الذي استقر عليه رأي المتأخرين (هو) أن الاستحسان (عبارة عن دليل يقابل القياس الجلي) الذي يسبق إلى الأفهام. والمراد بالاستحسان في الغالب قياس خفي يقابل قياساً جليًّا.

  (و) الاستحسان (قد يكون ثبوته بالأثر) كالسَلَم والإجارة، القياس⁣(⁣١) يقتضي منعهما؛ لكونهما بيع معدوم، لكن ثبتا بالنص. (و) قد يكون (بالإجماع) كأجرة الحمام والسّقّاء، القياس المنع⁣(⁣٢)؛ لجهالة ما يستغرق من المنافع والماء، وثبت بإجماع المسلمين عليه. (و) قد يكون (بالضرورة) كالحكم بطهارة الحِيَاض والآبار⁣(⁣٣) على أصل الحنفية. (و) قد يكون (بالقياس الخفي) كسور سباع الطير، القياس الجلي يقتضي نجاسته عند الحنفية، كسور سباع البهائم، وهو طاهر بالقياس الخفي؛ لأنها تشرب بمناقيرها، وهي عظام طاهرة.

  قلت: وقد يكون بظاهر الكتاب، كمن حلف بأن ما يملك صدقة، وبأن أمواله صدقة، القياس أنهما سواء في أنه يقع على جميع ما يملكه، وثبت بظاهر قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا}⁣[التوبة ١٠٣]


(*) قال في الدراري المضيئة: أشار بقوله: ترك وجه من وجوه الاجتهاد إلى أن الواقعة المجتهد فيها يكون لها وجوه كثيرة، واحتمالات متعددة، فيأخذ المجتهد بواحد منها، ثم إنه يعدل إلى ما هو أقوى منه، فقوله: «لوجه أقوى» متعلق بترك وجه، واحترز بقوله: «غير شامل شمول الألفاظ» عن تخصيص العموم، فإن الوجه الأول فيه شامل شمول الألفاظ، واحترز بقوله: «يكون في حكم الطارئ عليه» عن ترك أضعف القياسين لأجل الأقوى، فإن أقواهما ليس في حكم الطارئ.

(١) في (ب): «والقياس».

(٢) سقط من (أ): «القياس المنع».

(٣) أي: بعد النزح، فإن القياس على سائر المتنجسات أنها لا تطهر بذلك، لكن طهرت ضرورة.