الأنوار الهادية لذوي العقول،

أحمد بن يحيى حابس (المتوفى: 1061 هـ)

[المجاز]

صفحة 460 - الجزء 1

  قال في الفصول: فأما امتناع «نخلة» لطويل غير إنسان، و «شبكة» للمصيد⁣(⁣١)، و «ابن» للأب⁣(⁣٢)، وعكسه⁣(⁣٣) - فلعدم تحقق العلاقة إن صح الامتناع.

  ثم اعلم أنه قد اختلف في وقوع المجاز، والأصح أنه واقع، خلافاً للفارسي والأسفرائيني مطلقاً⁣(⁣٤)، وللإمامية والظاهرية في الكتاب، وللظاهرية في السنة. وحملوا المجازات الواردة على الحقيقة.

  لنا: لا مانع من وقوعه عقلاً، أما من جهة القدرة فذلك لإمكانه، فإن المجاز نوع من الكلام، والله تعالى قادر على جميع أفنانه؛ لأنه قادر لذاته⁣(⁣٥). وأما عدم امتناعه من جهة الحكمة فإنه يعلم حسنه مع حصول القرينة المُخْرِجة له عن حيِّز التلبيس حيث أريد به غير ما وضع له، مع ما فيه من المبالغة والاختصار؛ لأن لفظ الحمار أبلغ في الإبانة عن المراد من «بليد» وأخصر من «بليدٍ كبلادة الحمار»، وأيضاً فقد وقع وإنه دليل الجواز، مثل: الأسد للشجاع، والحمار للبليد، في المفردات، «وشابت لِمّة الليل⁣(⁣٦)» في المركبات، وغيرُها مما لا تحصى مجازاتٌ؛ لأنها يسبق منها عند الاطلاق خلاف ما استعملت فيه، وإنما يفهم هو بقرينة، وهذه حقيقة المجاز. ووقع في قوله تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ}⁣[يوسف ٨٢]، وقوله: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ}⁣[الإسراء ٢٤]، فجعل الذل والتواضع بمنزلة طائر. ووقع في السنة، مثل: «أنا مدينة العلم، وعليٌّ بابها».


(١) أي: من كونه من تسمية الحال باسم المحل. هامش الفصول.

(٢) لأنه كان على صفة النبوة. هامش (أ).

(٣) يعني تسمية أب للابن باعتبار ما سيئول إليه.

(٤) أي: في اللغة والكتاب والسنة.

(٥) في (ب): «بذاته».

(٦) هذه الجملة تطلق لظهور الفجر.

(*) وقد قيل بأن هذا المثال ليس مثالاً للمركبات، بل للمفردات؛ لأن اللمّة مجاز عن سواد آخر الليل، والشيب مجاز عن البياض الحادث بطلوع الفجر. ومن أمثلة المركب: {رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى}⁣[مريم ٣٦]، ونحو: ما لي أراك تقدم رجلا وتؤخر أخرى، لمن يتردد في أمر.