مسألة: [هل للأمر بكونه أمرا صفة يتميز بها أو لا؟]:
  حينئذٍ، وإن أراده بعد ما تناولته الصيغة لم يصح أن يريد ما تناولته(١) إلا بعد مصيرها أمراً؛ لأنها لا تتناوله إلا على جهة الطلب، وذلك معنى الأمر؛ فيدور، وبيانه: أنها لا تصير الصيغة أمراً حتى يراد ما تناولته، ولا يراد ما تناولته إلا وقد صارت أمراً. وهذا الخلاف يجري أيضاً في سائر أنواع الكلام، كالنهي، والخبر، والاستفهام، والعَرْض، والتمني.
  نعم، واختُلف في المؤثر في تلك الصفة، فقالت البصرية: والمؤثر فيها إرادة المأمور(٢) به. وقالت الأشعرية: بل المؤثر إرادة الموجد للفظ الصيغة كونها أمراً(٣).
  لنا: أنه قد ثبت أن الأمر لا بد فيه من الصيغة المخصوصة، والاستعلاءِ، والإرادةِ، وكونِه مريداً، ولا يصح أن يؤثر فيها غير ذلك؛ لأن الأمر قد امتاز عما سواه بدون ذلك الغير، فلم يَبْق إلا أن يكون المؤثر راجعاً إلى ما لا بد منه في الأمر، وليس إلا الآمر؛ لأن ما عداه من الصيغة والمأمور والمأمور به وغير ذلك لا يصلح؛ لأنها مع التهديد ونحوه ومع الأمر على سواء، ولا يصح أن يكون المؤثر فيها ذات الآمر، ولا شيء من المعاني المختصة به، ولا من الصفات الثابتة له إثباتاً ونفياً ما عدا الإرادة وكونه مريداً؛ لأن غير ذلك مع الأمر والتهديد على سواء، فتعين أن يكون المؤثر في كونه أمراً هو الإرادة، والتأثير في التحقيق لكونه مريداً، لكن لما كان المؤثر في كونه مريداً الإرادة، ...
(١) وهو المأمور به.
(٢) أي: المؤثر في الصيغة المذكورة هو المحدث لها، بواسطة إرادته للمأمور به، وتحقيق ذلك: أنه حين أراد الفعل طلبه بإيجاد الصيغة الموضوعة للطلب، ولم يتصف بأنه طالب للفعل إلا بإرادته؛ إذ لو لم يرده لم يطلبه، وإنما نُسب التأثير إلى الإرادة مجازاً؛ لكونها سبباً، والتأثير في الحقيقة للآمر، ونسبة التأثير للإرادة حقيقة على اصطلاح المعتزلة في جعلهم مؤثراً غير الفاعل وقد تبين بطلانه كما في الأساس وشرحه وغيرهما من كتب العترة $. مرقاة السيد داود ص ٩٢.
(٣) وإن لم يُرد المأمور به. وهذا بناء على قاعدتهم من أن الله يأمر بالشيء ولا يريده؛ إذ لو أراده لوقع لا محالة. المصدر السابق.