الأنوار الهادية لذوي العقول،

أحمد بن يحيى حابس (المتوفى: 1061 هـ)

تنبيه: [الخلاف في تكليف الكفار بفروع الإيمان]:

صفحة 474 - الجزء 1

تنبيه: [الخلاف في تكليف الكفار بفروع الإيمان]:

  اختلف الناس في الكفار هل هم مخاطبون بفروع الإيمان ومكلفون بها فيشملهم عموم الخطاب أو لا، فذهب أئمتنا $ والجمهور إلى الأول. وذهبت الحنفية والأسفرائيني إلى الثاني. وقيل: المرتد مخاطب بها دون غيره. وقيل: مكلفون بالنواهي دون الأوامر؛ لإمكان التَرْك حال الكفر، دون الفعل فلا يجامعه⁣(⁣١).

  قلنا: إنهم مخاطبون بها وشرطها - وهو الإيمان - كخطاب المُحدِثِ بالصلاة، فإنه مخاطب بها وشرطها، وهو رفع الحدث قبلها⁣(⁣٢). وقوله تعالى: {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ ٦ الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ}⁣[فصلت ٦، ٧]، وقوله تعالى: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا ٦٨}⁣[الفرقان]، وهو عامٌّ للعقلاء، والإشارة⁣(⁣٣) إلى ما سبق من الشرك وقتل النفس والزنا. وكذلك قوله تعالى حكاية عن الكفار: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ ٤٢ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ ٤٣}⁣[المدثر]، فصرح بتعذيبهم على ترك الصلاة⁣(⁣٤).

  قال في الفصول: وثمرة الخلاف هل يعاقبون على ترك غير الإيمان كما يعاقبون على تركه أم لا؟


(١) يعني فلا يمكن امتثال وكفر؛ لأن النية بالامتثال لا بد منها، ونية الكافر غير معتبرة.

(٢) فكما يصح أن يخاطب بالصلاة من لا تصح منه حال الخطاب، كذلك الكافر؛ إذ يمكنه الامتثال بأن يسلم ويفعل الواجبات. مرقاة السيد داود.

(٣) أي: بذلك من قوله تعالى: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا}.

(٤) قال السيد داود في مرقاة الوصول: ولا يقال: قوله تعالى: {لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} معناه: لم نك من المسلمين، كقوله ÷: «نهيت عن قتل المصلين»، أي: المسلمين؛ لأنا نقول: لو كان معناه ذلك لفاتت المناسبة بين الآية الأولى والتي بعدها، وهي قوله: {وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ}؛ إذ المراد بالإطعام الذي عذبوا عليه هو الإطعام الواجب، وهي الزكاة التي هي عديلة الصلاة، لا الإسلام؛ إذ لو كان كذلك لخرج الكلام عن الفصاحة، والقرآن في أعلى طبقاتها. ص ٩٩.