مسألة: [الخلاف في كون الأمر المطلق للمرة أو للتكرار وللفور أو للتراخي:]
مسألة: [الخلاف في كون الأمر المطلق للمرة أو للتكرار وللفور أو للتراخي:]
  والأمر مطلق ومُقيَّد، فالمطلق عند جمهور أئمتنا $ والأصوليين: للمرّة بوضعه، لا للتكرار إلا لقرينة(١). وقال الاسفرائيني: بل للتكرار مدة العمر مع الإمكان(٢) بوضعه، لا للمرّة إلا لقرينة. ثم إن القائلين بأنه للتكرار قائلون بأنه للفور؛ فيعصي من أخّر.
  واختلف القائلون بأنه للمرّة، فعند الهادي، والناصر، والمؤيد بالله $، والقاضي جعفر(٣)، وأبي حنيفة، ومالك، وبعض أصحابهما: أنه للفور، فيعصي من أخّرَ عن الوقت الأول إلى الثاني، والوجوب فيه(٤) بذلك الأمر. وقال الكرخي وأبو عبدالله: بل بدليل غيره.
  وقال القاسم وأبو طالب والمنصور بالله $ والشيخ الحسن والملاحمية والشيخان وبعض الأشعرية: بل للتراخي، ويمتثل من بادر.
  (والمختار أنه لا يدل) بوضعه (على المرة ولا على التكرار) وهو رأي متأخري أئمتنا $، والكرخي، والحاكم، والجويني، وغيرهم. (و) أنه (لا) يدل على (الفور ولا) على (التراخي) وهو رأي الشافعي والمتأخرين، والأمر - على المختار - إنما وضع لمجرد الطلب (وإنما يُرجع في ذلك إلى القرائن) الخارجية(٥)؛ لأنها صفات للفعل متقابلة، كالقلة والكثرة، ومن المعلوم أن الموصوف بالصفات المتقابلة المتنوعة لا دلالة له على خصوصية شيء منها.
(١) نحو أكرم والديك فإن كونهما والدين يقتضي التكرار.
(٢) ليخرج وقت ضروريات الإنسان واعتياداته. وقيل: إن مرادهم من التكرار العموم، وقد أشار إلى هذا المعنى الغزالي في المستصفى حين عد شبه المخالفين.
(٣) هو القاضي جعفر بن أحمد بن عبدالسلام البهلولي، من كبار علماء الزيدية، أثرى المكتبة الإسلامية بكتب قيمة وأوضح فساد أقوال الباطنية وفنّد بدعهم، (ت ٥٧٦).
(٤) أي: وجوب فعله في الوقت الثاني.
(٥) لأن مدلول الأمر طلب حقيقة الفعل، والفور والتراخي خارجي، فإذا تجرد عن القرينة أفاد مجرد الطلب لا غير، فمتى أتى بالمطلوب فقد امتثل في أي وقت فعل ذلك. مؤلف. من هامش (أ).