الأنوار الهادية لذوي العقول،

أحمد بن يحيى حابس (المتوفى: 1061 هـ)

[العموم والخصوص]

صفحة 523 - الجزء 1

  لنا: قوله تعالى: {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ}⁣[الرعد ١٦] وقوله تعالى: {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ٢٨٤}⁣[البقرة]، فالعقل قاضٍ ضرورة بخروجه عن ذلك؛ لاستحالة كونه مقدوراً مخلوقاً. ولنا: قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}⁣[آل عمران ٩٧]، فالعقل قاضٍ بخروج من لا يفهم الخطاب، كالأطفال والمجانين.

  قال السبكي: فأما خروج مثل السماء من قوله تعالى: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ}⁣[الأحقاف ٢٥] فبالحس، فجعله من جملة المخصصات.

  والثاني: أنه يصح التخصيص بفعله ÷ وتركه المعارضَينِ للعام، كما لو قال ÷: الاستقبال لقضاء الحاجة حرام على كل مسلم، ثم فعل، أو يقول: صوم يوم عاشوراء واجب على كل مسلم، ثم ترك؛ فيعلم أنه ÷ لم يدخل في العموم حيث صدر ذلك قبل إمكان العمل؛ إذ لو كان بعد إمكان العمل كان نسخاً لا تخصيصاً، فإن ثبت وجوب اتباعنا له ÷ بدليل عام في جميع أفعاله كدليل التأسي فإنه لا يصير مخصصاً بالعموم المتقدم عند أكثر أئمتنا $ والجمهور، بل يجب على الأمة العمل بموافق الفعل، وهو دليل وجوب الاتباع، فيتبع في فعله.

  وأنت خبير أنه على هذا يجب أن يكون الفعل بعد الإمكان، وأنه قد خرج ذلك عن التخصيص إلى النسخ؛ إذ لم يبق التحريم لا في حقه ÷ ولا في حق الأمة، إلا عند من يجيز النسخ قبل إمكان الفعل⁣(⁣١)، فلا يكون فعله عند هؤلاء مخصصاً للعموم، اللهم إلا حيث قام الدليل على أن ذلك الفعل يخصه.

  وقال الكرخي وابن الحاجب وغيرهما: بل يصير ذلك الدليل العام - أعني: دليل التأسي - مخصصاً بذلك العموم المتقدم، فلا يتعداه الفعل، فيقتضي ذلك


(١) في (ج): «قبل الإمكان».