[نسخ القرآن بالقرآن حكما وتلاوة]
  قلنا: القصد بالتكليف المصلحة قطعاً، وهي تكون بالأخف والأثقل، وربما علم الله أن المصلحة بالأشق بعد الأخف أكثر، كما ينقلهم من الصحة إلى السقم، ومن الشباب إلى الهرم. وأيضاً فإن ما ذكرتم(١) يلزمكم في أصل التكليف(٢)، فإنه نقلٌ من البراءة الأصلية إلى ما هو أثقل، فينبغي أن لا يجوز، وإنه جائز اتفاقاً. وأيضاً لو لم يجز لم يقع، وقد وقع، كنسخ التخيير بين الصوم والفدية؛ إذ كان هو الواجب أولاً في بدء الإسلام، لقوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ}[البقرة ١٨٤] أي: وعلى المطيقين للصيام الذين لا عذر لهم إن أفطروا فديةٌ طعام مساكين، ثم نسخ بتعيين الصوم بقوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}[البقرة ١٨٥]، ولا شك أن إلزامَ أحد الأمرين(٣) أشقُّ من التخيير بينهما.
  ومن ذلك: نسخ صوم يوم عاشوراء بصوم رمضان، وصومُ شهر أشقُّ من صوم يوم واحد.
[نسخ القرآن بالقرآن حكماً وتلاوة]:
  مسألة: (و) يجوز عند أئمتنا $ والجمهور نسخ القرآن بالقرآن (التلاوة والحكم(٤) جميعاً) لما رويَ أن عائشة قالت: كان فيما أُنزِل «عشر رضعات محرمات» ثم نسخن بخمس(٥)، وقد نسخ تلاوته وحكمه (وأحدهما دون الآخر) فالتلاوةُ دون الحكم، مثل قول عمر: كان فيما أُنزل:
(١) من كون النسخ بالأشق أبعد في المصلحة.
(٢) أي: يلزمهم أن يكون أبعد في المصلحة؛ إذ البراءة من التكليف أخف.
(٣) في (ج): «أحد الأمرين بعينه».
(٤) فلا يبقى اللفظ قرآناً، والحكم لا يبقى معمولاً به. شفاء غليل السائل.
(٥) قال الإمام المهدي # في المنهاج: وهذه الرواية التي حكيناها عن عمر وعائشة إنما جئنا بها للتمثيل فقط؛ إذ لم نقطع بصحتها، ولهذا خالفنا حكمها ... إلى آخر كلامة.