مسألة: [ما لا يؤخذ بأخبار الآحاد فيه]:
  ولأن ما كان كذلك تتوفر الدواعي إلى نقله، ولأنا علمنا رد الصحابة له، كما روي عن عائشة أنها ردت خبر أبي عثمان في تعذيب الميت ببكاء أهله، وتلت قوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}[الإسراء ١٥]، ووافقها ابن عباس، وفي ذلك ردٌّ للأخبار الواردة في تعذيب أولاد المشركين. ورَدَّ عمر خبر فاطمة بنت قيس(١)، وعلَّل ذلك بأنه مخالف لمقتضى الكتاب العزيز.
  نعم، فيقطع بكذب ناقله إن خالف ما هو قطعي - كما ذكرنا - ولم يمكن تأويله. وإن وافق لم يُكذَّب، ولا يعتمد عليه في الدلالة. أما إذا خالف وأمكن تأويله فإن كان لا بتعسف(٢) لم يُكذَّب وحُمل على السلامة، وإلا طُرِح. قال محمد بن شجاع(٣): بل يُحمل على السلامة مطلقاً.
  واعلم أنه يُردُّ الآحادي إما لتعلقه بأصول الدين، كما ذكرنا، أو لغرابته، كقَتْل الخطيب على المنبر، أو لمجموعهما، كمعارضة القرآن، وظهور المعجز على مسيلمة. وليس من ذلك خبر الغدير والمنزلة؛ لتواترهما لمن بحث، ولا(٤) يلزم استمراره(٥) إلا مدة استغرابه، كنتق الجبل(٦)، وانشقاق القمر، وتسبيح الحصى، ونحوها(٧).
  (ولا) يؤخذ بخبر الآحاد أيضاً (فيما تعم به البلوى علماً) أي: يلزم كل
(١) في أن النبي ÷ لم يجعل لها سكنى ولا نفقة. شفاء غليل السائل ١/ ٨٩ مكتبة أهل البيت.
(٢) التعسف: هو الذي لا يحتمله اللفظ. ويمكن تعريفه بأنه المدافع للقواطع، كتأويل المرجئة آيات الثواب بالترغيب، والعقاب بالترهيب. مرقاة الوصول.
(٣) هو محمد بن شجاع الثلجي، من فقهاء الحنفية، كان فقيه العراق في وقته، وكان يميل إلى الإعتزال، (ت ٢٦٧ هـ، وقيل: ٢٦٦ هـ). تذكرة الحفاظ ٢/ ٢٦٩.
(٤) في (ج): «فلا».
(٥) أي: التواتر من لدن وقوع المستغرب إلى أن نقل، بل لا يلزم استمراره إلا مدة استغرابه فقط؛ إذ الاستغراب هو السبب الموجب لأن ينقل كذلك. دراري.
(٦) على بني إسرائيل، المشار إليه بقوله تعالى: {وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ}[الأعراف ١٧١]. هامش (أ).
(٧) كحنين الجذع.