الدليل الثاني: السنة
  لنا: رواية الصحابة كتب النبي ÷ من غير أن ير ويه لها راوٍ، بل عملوا عليه(١) لأجل الخَطِّ، وأنه منسوب إلى النبي ÷، فإن ثَبَتَ أنها عَمِلتْ عليه من غير رواية جاز أن يروي الإنسان من كتابه إذا غلب في ظنه سماعه، ويكون إخباره إخباراً عن ظنه، ويجوز العمل عليه؛ إذ المعتبر الظن، هكذا ذكر أصحابنا. واعترضه في الجوهرة بأنه يَبعُد عدم تحقق الكاتب من الصحابة ما زَبَرهُ يوم أملاه عليه ÷، فإذا قال: هذا خَطِّي أملاه عليَّ # كان رواية كافية، قال: والأظهر عندنا أنه مشبه بالاعتقاد فلا يجوز على الظن، بخلاف العمل؛ إذ مبناه على الظن. قال في العِقْد: وهو قريب.
  هذا، وإن الإمام المهدي # قد وجَّه الخلاف المذكور إلى مسألة غير هذه، وهي حيث تيقن وعلم ضرورة أنه سمع جملة الكتاب ولم يَعْرفْ تفاصيل الأحاديث، وعليها أكثر نسخ الكتاب(٢).
  وهل يكفي في العمل والرواية السماع الِجملي؟ أو لا بُدَّ من معرفة التفاصيل؟ الشافعي: يكفي، وأبو حنيفة: لا يكفي، واختار(٣) مذهب الشافعي، واحتج لذلك بأنه إذا ذَكَر أنه قد سمع الكتاب جُملة وعرف ذلك ضرورة، وكان الكتاب معيناً، ولم يُجوّز فيه التغيير - فقد عرف تفاصيل ما فيه، أعني: أنه قد سَمِعَ كل حديث فيه من غير تردد، فيجوز له ا لرواية، وهذا دليل قطعي لا يدخله التشكيك. والمصنف ¦(٤) كما ترى صدّر المسألة بالظن في بعض نُسَخِ الكتاب - واعتمدناه - كما في الجوهرة، والفصول. وقد ذكر الإمام المهدي # ذلك في مواضع أخرى، واختار جواز العمل لا الرواية، حيث قال: وإذا ظن أنه قد سمع نسخة لأمارات فيها جاز العمل لا الرواية في الأصح.
(١) لا يوجد في (أ): «عليه».
(٢) أي: كتاب الكافل.
(٣) أي: الإمام المهدي #.
(٤) أي: ابن بهران صاحب الكافل.