الدليل الثاني: السنة
  فالتقدير: هو المحدث، لكن هذه الرابطة كثيراً ما تحذف تخفيفاً، فتكون مقدرة كالملفوظ بها. والأمر التصديقي - وقد قدمنا حقيقة التصديق - يسمى: خبراً، وهو المذكور أولاً، وتسميته كذلك عند أهل اللغة وأهل الكلام، (ويسمى الخبر) أيضاً (جملة) في اصطلاح النحاة (وقضية)(١) في اصطلاح المنطقيين؛ لأن كل تصديق يسمى قضية عندهم. (وإذا ركبت الجملة) المذكورة (في دليل) أي: برهان (سُمِّيت) عند المناطقة (مُقدِّمة) نحو قولنا: «العالم مُتغيِّر، وكل متغير حادث»، ينتج: «العالم حادث»، وذلك الدليل مركب من مقدمتين فصاعدا، وهو القياس في اصطلاحهم، قالوا: وهو(٢) القول المؤلف من قضايا يلزم لذاته قول آخر(٣). والقول الآخر هو المطلوب، وهو النتيجة.
  والمقدمات إن كانت قطعية أنتجت قطعياً(٤)؛ لأن النتيجة لازمة لمقدمات حقة قطعاً، ولازم الحق حق قطعاً. وإن كانت ظنية أنتجت ظنيًّا أو اعتقادياً(٥)، ولا يستلزم ذلك وجوباً ولا دائماً، بل في وقتٍ مّا، وذلك إذا لم يمنع مانع. وإنما لم يجب لأنه ليس بين الظن والاعتقاد وبين أمر ربطٌ عقلي بحيث يمتنع تخلّفه عنه؛ لزوالهما مع بقاء موجبها، كما يكون عند قيام المُعارِض وظهور خلاف الظن بحسٍ أو دليل.
(١) وحقيقة القضية: قول يصح أن يقال لقائله إنه صادق أو كاذب، وهي حملية إن انحلت بطرفيها إلى مفردين، كقولنا: زيد عالم، زيد ليس بعالم، وشرطية إن لم تنحل.
(٢) أي: القياس.
(٣) أي: قضية أخرى، وقوله لذاته: خرج ما يلزم منه قول آخر بواسطة مقدمة خارجية، كقياس المساواة نحو (أ) مساوٍ لـ (ب)، و (ب) مساوٍ لـ (ج)، فإنه يلزم من ذلك أن (أ) مساوٍ لـ (ج) لكن لا لذاته، بل بواسطة مقدمة خارجية، وهي أن مساوي المساوي مساوٍ. حاشية ملا عبدالله التهذيب ص ١٤١ ط/الثانية «المكتبة الإسلامية».
(٤) نحو: كل إنسان فانٍ «مقدمة كبرى»، زيد إنسان «مقدمة صغرى»، زيد فانٍ «نتيجة».
(٥) كقول الملحد: إذا كان الله موجوداً فهو مرئي «مقدمة كبرى»، لكنه غير مرئي «مقدمة صغرى» فهو غير موجود «نتيجة». مدخل إلى علم المنطق ص ١١٧.