[الدليل الثالث الإجماع]
  يتضمن الإجماع على أن كلا القولين حق، فلا ينقلب أيهما خطأ؛ إذ يعود ذلك على كون الإجماع حجة قاطعة بالنقض.
  قلنا: لا نُسلِّم تضمنه ذلك(١)، بل مسكوت عنه، فإن قدرنا تضمنه لذلك لم يقع(٢) إلا مشروطاً بأن لا يقع إجماع على خلافه.
  وقيل: إن كان المتفقون هم المختلفين فإجماع تحرم مخالفته، وإلا(٣) فلا.
  قال ابن الحاجب: الحق أن وقوع الإجماع على الحكم بعد الخلاف فيه بعيد إلا في القليل، كالاختلاف في بيع أم الولد، ثم زال(٤)، قال: وفي الصحيح أن عثمان كان ينهى عن المتعة، قال البغوي: ثم صار إجماعاً. يعني: التحريم(٥)، كما كان عثمان يذهب إليه، فهو إجماع على أحد القولين بعد الخلاف.
  قلت: وفي كلامه إشعار قوي بأن المراد بالقليل(٦): أنه قد وقع مثله قليلاً. والذي حكاه عنه في الفصول استبعاد ذلك إلا عند شذوذ المخالف من أهل العصر الأول، وذلك مقابل لقوله(٧) فيما تقدم: سواء شذ المخالف أو كثر؛ لأن ذلك من تعبيره(٨).
  وقد روى الدواري عن بعضهم منع وقوع ذلك مطلقاً، وهو مدفوع بوقوعه من الصحابة كما ذكرنا.
  نعم، فأما قبل استقرار خلافهم فجائز بلا شبهة.
(١) أي: الإجماع على أن كلا القولين حق.
(٢) أي: التضمن المذكور. مرقاة الوصول للسيد داود ص ٣٦٤.
(٣) أي: إذا كان المتفقون غيرالمختلفين فليس بحجة.
(٤) أي: زال ذلك الاختلاف باتفاقهم على المنع منه. صفوة الاختيار ص ٢٦٣.
(٥) والصواب أن عثمان كان ينهى عن التمتع في الحج ثم اتفقت الأمة على جوازه، لا متعة النكاح كما ذهب إليه ابن الحاجب.
(٦) في قول ابن الحاجب السابق.
(٧) أي: لقول صاحب الفصول.
(٨) الضمير عائد على الفصول. من (أ).