[الدليل الثالث الإجماع]
  مما يوقف عليه التتبع لآثارهم، فيغلب في الظن أن سكوتهم سكوت رضا، فيكون ذلك في إفادة الاتفاق ظنًّا كالإجماع الآحادي، وحينئذٍ ينتهض(١) دليل السمع؛ فإنه سبيل المؤمنين، وقول كل الأمة.
  وبالجملة فليس الظن الحاصل به دون الحاصل بالقياس وظواهر الأخبار، فوجب العمل به. والاحتمال إنما يقدح في القطعية دون الحُجِّيِّة، كالقياس وخبر الواحد.
  قال أبو هاشم: كان فقهاء التابعين يحتجّون بما هذا حاله.
  ومع عدم انتشاره(٢) ولم يعرف له مخالف فقيل: إجماع كالمنتشر. وقيل: حجة لا إجماع. وقال الجمهور: لا أيهما، وهو الصحيح؛ لأن من لا يخالف من الصحابة يجوز أن لا تخطر له المسألة ببال.
  واعلم أنه إذا عُلم يقيناً أنّ سكوت الباقين - مع النقل عن بعضهم - عن رضا كان ذلك إجماعاً وإن لم يكن علينا فيه تكليف؛ لأنهم لو قالوا: رضينا بهذا القول ونحن معتقدون له لكان إجماعاً، فإذا علمنا ذلك ضرورة منهم كان أولى. وإذا لم يُعلم ذلك وكان مما لا تكليف فيه علينا، كالقول: بأن عماراً أفضل من حذيفة - فلا إجماع ولا حجة؛ إذ ليس يمتنع أن يتطابقوا على تَرْكِ إنكار ما لم يلزمهم إنكاره، ذكر معنى ذلك صاحب الجوهرة والفصول، ولم يذكرا في ذلك خلافاً، فالتفصيل المذكور أولاً ينبغي أن يكون مع عدم علمنا أن السكوت سكوت رضا يقيناً، وكون المسكوت عنه مما علينا فيه تكليف، فتأمل، والله أعلم.
  قال المُصَنِّف ¦: (ويسمى هذا) الذي نقل عن البعض مع نقل رضا الساكتين (إجماعاً سكوتيًّا. وهو حجة ظنية) فلا يُستدلُّ به في قطعي ...
(١) في (ب): «ينهض».
(٢) أي: إذا كان الإجماع السكوتي قبل استقرار المذاهب لكنه لم ينتشر، بخلاف السابق فإنه مع الانتشار.