الأنوار الهادية لذوي العقول،

أحمد بن يحيى حابس (المتوفى: 1061 هـ)

[الدليل الثالث الإجماع]

صفحة 246 - الجزء 1

  (وإن نقل تواتراً) لم يُؤثّر نَقْلُه كذلك⁣(⁣١) في خروجه من حيّز الظن إلى القطع، ومثل هذا ذكره في حواشي الفصول.

  وإنما كان ظنيًّا لأن غايته أن السكوت يدل على الموافقة ظاهراً، والظهور لا يكفي في كونه إجماعاً قطعيًّا، بل في كونه حُجّة ظنية. قلت: أما إذا علمنا رضاهم يقيناً فالظاهر أنه قطعي، وقد قدمنا من كلام الجوهرة والفصول ما يُشعر بهذا، وإليه يشير كلام الإمام الحسن # في شرحه على المعيار؛ لأنه في هذا المقام فسّر ما يطلق عليه الإجماع بالقطعي، وفسّر ما يُطلق أنه حجة لا إجماع بالظني، ولم يخرجه عن دائرة الإجماع، وقد حكم بأن ما ذكره المُصَنِّف بشروطه يسمى إجماعاً؛ فيلزم أن يكون المراد به القطعي، على حسب ما قررنا، وقد ثبت أن أهل المذهب في غير موضع يستدلون بذلك على المسائل القطعية، كمسألة كون القياس حجة شرعية، ومسألة قبول المرسل، وغير ذلك مما لا يحصى لكثرته، ويدفعون كونه ظنيًّا بأن المسألة قطعية، وقد صرَّح بذلك المُصَنِّف في باب القياس، كما سيأتي إن شاء الله تعالى، فظاهر كلامهم أن ظهوره على تلك الأحوال يثمر القطع بأن السكوت رضا للعادة، وعلى هذا فلا يثبت ادِّعاء أن معرفة رضاهم قد تكون غير يقينية إلا على سبيل الفَرْض، وعليه يُحمل كلام المُصَنِّف أنه حجة ظنية.

  واعلم أن ابن الحاجب حكى الخلاف في الإجماع السكوتي، هل هو حجة وإجماع أو لا أيهما، أو حجة لا إجماع⁣(⁣٢)، وغير⁣(⁣٣) ذلك - على نحو ما قدَّمنا، من دون تقييد مَحَلِّه بالمسائل الاجتهادية أو التي الحق فيها مع واحد، بل قيده بقبل استقرار الخلاف فقط، وأصحابنا يجعلون محل الخلاف المسائل الاجتهادية


(١) أي: تواتراً.

(٢) الفرق بين الحجة والإجماع: أن الإجماع تحرم مخالفته بخلاف الحجة.

(٣) في (أ): «أو غير ذلك».