[الدليل الثالث الإجماع]
  واعترض: بأنا لا نُسلّم أنها قد بلغت مبلغاً يحصل معه العلم بمعناها، فالقول بذلك مُجرَّد دعوى لا دليل عليها، وإنما تفيد الظن الغالب بذلك، إلا أنه يقتضي وجوب العمل بها؛ لأن دفْع الضرر المظنون واجب؛ إذ ما قضى به الإجماع ودل عليه حكم عملي لا علمي، فجاز قبول خبر الواحد فيه. واعتماد هذا الدليل من هذا الوجه هو الذي عوّل عليه ابن الخطيب. وأجيب: بأن ذلك معلوم قطعاً لمن له فَحْصٌ ومطالعة في الكتب المصححة في الأحاديث النبوية.
  قلت: والقول بأن ما قضى به الإجماع عملي ليس على الإطلاق؛ إذ قد يقع علميًّا، كإجماع المسلمين على أنه تعالى لا ثاني له، ونحو ذلك، ولو سلّمنا فإن كونه حجة أمر علمي ولو دل على عملي، ألا ترى أن حكمنا بأن محمداً ÷ نبيٌّ صادقٌ أمرٌ علمي، مع أن قوله دال على الأحكام العملية، فالاستدلال حينئذٍ على أمر علمي، فلا بُدّ أن يكون الدليل عليه قاطعاً، والله أعلم.
  الدليل الرابع: قوله (ولإجماعهم على) القطع بـ (ـتخطئة من خالف الإجماع) وذلك يدل على أنه حجة؛ لأن (مثلهم) وهو العدد الكثير من العلماء المحققين (لا يجمع على) القطع بـ (ـتخطئة أحد في أمر شرعي) وهو المخالفة هنا (إلا عن دليل قاطع) لا بمُجرد تواطؤ أو ظن، فوجب الحكم بوجود نص قاطع بلغهم في ذلك، فيكون مقتضاه - وهو خطأ المخالف له - حقًّا، وهو يقتضي حقيّة ما عليه الإجماع، وهو المطلوب. وقَيْدُ «قاطع» مُحتاجٌ إليه على اصطلاح غير(١) المتكلمين.
  واعترض: بإجماع الفلاسفة على قِدَمِ العالم، وإجماع اليهود على أنه لا نبيَّ بعد موسى، وإجماع النصارى على أن عيسى قد قُتِل، فإن كُلاً منها قد اشتمل على جميع ما ذكر من القيود، مع أن العادة لا تحكم باستناده إلى دليل قاطع.
(١) إذ الدليل يطلق في اصطلاحهم على القطعي والظني، بخلاف المتكلمين فلا يطلقون الدليل إلا على القاطع. هامش (ج).