[الدليل الثالث الإجماع]
  وأجيب: بأن الأول(١) عن نظر عقلي، وتعارض الشبه واشتباه الصحيح بالفاسد فيه كثيرٌ، بخلاف الشرعيات، فالفرق بين القاطع والظني فيها بيّنٌ لا يشتبه على أهل المعرفة، وبأن الثاني والثالث عن الاتباع لآحاد(٢) الأوائل لعدم تحقيقهم، والعادة لا تحيله، بخلاف ما ذكرنا.
  والحاصل: أن شيئاً من ذلك لا يشتمل على جميع القيود؛ لانتفاء الشرعية في الأول، والتحقيق في الآخرين. ولا يقال على أصل الدليل: إنكم إن قلتم: أجمعوا على تخطئة المخالف فيكون حجة فقد أثبتم الإجماع بالإجماع، وإن قلتم: الإجماع دل على نص قاطع في تخطئة المخالف فقد أثبتم الإجماع بنص يتوقّف على الإجماع، ولا يخفى ما فيه من المصادرة على المطلوب؛ لأنا نقول: المُدَّعَى كون الإجماع حجة، والذي ثبت(٣) به ذلك هو وجود نص قاطع دل عليه وجود صورة من الإجماع يمتنع عادة وجودها بدون ذلك النص، سواء قلنا: «الإجماع حجة» أم لا، وثبوت هذه الصورة من الإجماع، ودلالتها العادية على وجود النص - لا يتوقف على كون الإجماع حجة، فما جعلنا وجوده دليلاً على حُجِّيِّة الإجماع لا يتوقف على حُجِّيِّته لا وجوده(٤) ولا دلالته، فاندفع الدور.
  قلت: وقول المُصَنِّف ¦: «ولإجماعهم على تخطئة ..» إلخ فيه إخلال؛ من حيث حذف «القطع» الذي استدركناه؛ لأن ابن الحاجب قال: «أجمعوا على القطع بتخطئة المخالف»، ويتضح لك الإخلال بالحذف بأن سعد الدين(٥) لما أورد اعتراضاً - وهو أنها لو صحت القاعدة المذكورة لكفت في حجية
(١) أي: إجماع الفلاسفة.
(٢) في (أ) و (ج): «لأحد».
(٣) في (ج): «يثبت».
(٤) في (ج): «ولا وجوده ولا دلالته».
(٥) أي: التفتازاني، وقد تقدمت ترجمته.