الأنوار الهادية لذوي العقول،

أحمد بن يحيى حابس (المتوفى: 1061 هـ)

[الدليل الثالث الإجماع]

صفحة 253 - الجزء 1

  وأجيب: بأن الأول⁣(⁣١) عن نظر عقلي، وتعارض الشبه واشتباه الصحيح بالفاسد فيه كثيرٌ، بخلاف الشرعيات، فالفرق بين القاطع والظني فيها بيّنٌ لا يشتبه على أهل المعرفة، وبأن الثاني والثالث عن الاتباع لآحاد⁣(⁣٢) الأوائل لعدم تحقيقهم، والعادة لا تحيله، بخلاف ما ذكرنا.

  والحاصل: أن شيئاً من ذلك لا يشتمل على جميع القيود؛ لانتفاء الشرعية في الأول، والتحقيق في الآخرين. ولا يقال على أصل الدليل: إنكم إن قلتم: أجمعوا على تخطئة المخالف فيكون حجة فقد أثبتم الإجماع بالإجماع، وإن قلتم: الإجماع دل على نص قاطع في تخطئة المخالف فقد أثبتم الإجماع بنص يتوقّف على الإجماع، ولا يخفى ما فيه من المصادرة على المطلوب؛ لأنا نقول: المُدَّعَى كون الإجماع حجة، والذي ثبت⁣(⁣٣) به ذلك هو وجود نص قاطع دل عليه وجود صورة من الإجماع يمتنع عادة وجودها بدون ذلك النص، سواء قلنا: «الإجماع حجة» أم لا، وثبوت هذه الصورة من الإجماع، ودلالتها العادية على وجود النص - لا يتوقف على كون الإجماع حجة، فما جعلنا وجوده دليلاً على حُجِّيِّة الإجماع لا يتوقف على حُجِّيِّته لا وجوده⁣(⁣٤) ولا دلالته، فاندفع الدور.

  قلت: وقول المُصَنِّف ¦: «ولإجماعهم على تخطئة ..» إلخ فيه إخلال؛ من حيث حذف «القطع» الذي استدركناه؛ لأن ابن الحاجب قال: «أجمعوا على القطع بتخطئة المخالف»، ويتضح لك الإخلال بالحذف بأن سعد الدين⁣(⁣٥) لما أورد اعتراضاً - وهو أنها لو صحت القاعدة المذكورة لكفت في حجية


(١) أي: إجماع الفلاسفة.

(٢) في (أ) و (ج): «لأحد».

(٣) في (ج): «يثبت».

(٤) في (ج): «ولا وجوده ولا دلالته».

(٥) أي: التفتازاني، وقد تقدمت ترجمته.