[الدليل الرابع القياس]
  حكمه فأثبِت فيه حكمه، واعمل به أيها المجتهد - لم يلزم منه محال لا لنفسه ولا لغيره؛ فوجب القطع بالجواز.
  وأما قول الإمامية: إنه لا يُقبل؛ لأن طريقه الظن ولا يُؤمن فيه الخطأ فقد قيل في جوابه: إن التكليف بالظن جائز وإن لم يؤمن فيه الخطأ؛ إذ المصلحة قد تعلق به، فلا يمتنع التعبَّد به شرعاً إذا ظُنَّ الصواب وكان الخطأ مرجوحاً؛ إذ لو لم يحكم بذلك تعطَّلت الأسباب الدنيوية والأخروية؛ إذ ما من سبب من الأسباب إلا ويجري فيه ذلك، ألا ترى أن الزَّرَّاع لا يزرع بيقين أنه يأخذ الريع(١)، والتاجر لا يُسافر وهو جازم بأنه يربح، والمتعلِّم لا يتعب في تعلمه وهو يقطع بأنه يعلم ويثمر علمه ما يتعلم له، وغير ذلك، بل العقل يوجب العمل بظن الصواب وإن أمكن الخطأ؛ تحصيلاً لمصالح لا تحصل إلا به على ما لا يخفى في تتبع موارد الشرع، ومن طلب الجزم في التكاليف عطَّل أكثرها.
  وأما قولهم: إن الظن يخطئ ويصيب، فالإقدام على ما يقتضيه إقدام على ما لا يُؤمن قبحُه، فيكون بمثابة الجهل، فيقبح التكليف به، فلا يجوز - فباطل؛ لأنه إذا كان مقتضاه الجزم باقتضاء الأمارة كون تجويز أحد المجوزين أرجح كان حسناً وإن لم يطابق الواقع، فهو كالخبر الصادق، فلا قبح، فيحسن التكليف به. وليس كذلك الجهل؛ إذ هو كالخبر الكاذب؛ لأنه جزم بكون الشيء كذا وهو على خلاف ذلك، فتبيَّن حُسْنُ الظنِّ، فجاز التعبد به. وأيضاً فإنه لو لم يجز التعبد بالظن لم يقع، وقد وقع في أمورٍ شَرَعَ الشرعُ العمل فيها بالظن، كالتوجّه إلى القبلة عند قيام الأمارة، ودخول الوقت المضروب للعبادة في الغيم، وتقدير النفقات، وقيم المتلفات، فإن الشرع ورد بمتابعة الظن في جميع ذلك وفي غيره، كخبر الواحد وظاهر الكتاب.
(١) أي: النماء.