[الدليل الرابع القياس]
  وأما ما ذكره النَّظَّام فنقول له: إنما نثبت الحكم بالقياس حيث اشترك الأصل والفرع في علة ذلك الحكم، لا حيث اختلفا. وما ذكره من أن الشرع فرَّق بين المتماثلات، كالمني والبول - فذلك لأن الشارع عرَّفنا أن في الغُسْل من المني مصلحةً ولطفاً لنا، وعرَّفنا أنه لا مصلحة في الغسل من البول، ففرق الشارع بينهما، فلو عرَّفنا الشارع أن وجه المصلحة في الغسل من المني خروجه من الفرج قسنا عليه البول والغائط، ونحن لم نُجِزِ العمل بالقياس حيث فرَّق الشارع بين الفرع والأصل. وكذلك قوله(١): إن الشرع أوجب حد القاذف بالزنا لا القاذف بالكفر، فنقول: فرَّق الشارع بينهما؛ إذ لو علّل بالرمي بمعصية قسنا على ذلك، ثم إنه لو لم ينص على الفرق، بل نصَّ على الحكم في القاذف بالزنا، وسكت عن القاذف بغيره - لم يصح القياس أيضاً؛ لاحتمال كون المصلحة متعلقة بحد القاذف بالزنا فقط، فمهما لم يبطل هذا الاحتمال لم يصح القياس.
  وأما كون الشرع يجمع بين المختلفات فذلك لحصول جامع، أو لاختصاص كلٍّ بعلة تقتضي مثل حكم خلافه.
  نعم، ومن المانعين من كون القياس دليلاً مَنْ علَّل بأنه دون النص في البيان، ولا يجوز من الحكيم الاقتصار(٢) على أدون البيانين.
  قلنا: يوجب ذلك أن تكون الأحكام كلها حاصلةً بعلم ضروري؛ إذ هو أبينُ من الاستدلالي، فثبت أن ذلك على حسب ما تقتضيه المصلحة من جلي أو خفي.
  ومنهم من علّل بأنه يؤدي إلى التناقض عند تعارض العلل(٣).
  قلنا: يجب حينئذٍ الترجيح، فإن تعذر فالاطراح أو التخيير، كالنصوص(٤).
(١) أي: النظام.
(٢) في (ج): «أن يقتصر».
(٣) أي: لو تعارضت علتان تفضي كل واحدة إلى نقيض حكم الأخرى فيجب اعتبارهما وإثبات حكمهما؛ لأنه المفروض، فيلزم التعارض، وذلك باطل. هامش مرقاة الوصول للسيد داود.
(٤) وذلك يوجب عليهم أن لا يعمل بالنصوص، لدخول التعارض فيها. هامش (أ).