الأنوار الهادية لذوي العقول،

أحمد بن يحيى حابس (المتوفى: 1061 هـ)

مسألة:

صفحة 277 - الجزء 1

  ومنهم من منع القياس على الأصل المحصور بالعدد، نحو قوله ÷: «خمس يقتلن في الحل والحرم»، قالوا: لا يقاس على ذلك؛ لأن القياس عليه يبطل الحصر. واشترط عثمان البتي⁣(⁣١) أن لا يقاس على أصل حتى تقوم دلالةٌ على جواز القياس عليه غيرُ دلالة القياس العامة.

  ولا يشترط في حكم الأصل أن تتفق الأمة على حكمه أو الخصمان، بل للقائس أن يثبت حكم الأصل بنص، ثم يثبت العلة بمسلك من مسالكها: من إجماع، أو نصِّ، أو سبر - وهو حصر الأوصاف وإبطال بعضها ليتعيَّن الباقي - أو إخالة، وهو تعيين العلة بمجرد المناسبة من ذات الأصل، لا بنص ولا بغيره، ويقبل منه ذلك (وإن لم يكن) حكم الأصل (مجمعاً عليه) بين الأمة (ولا اتفق عليه الخصمان على) القول (المختار).

  وحكي عن بشر المريّسي⁣(⁣٢) أنه يشترط الإجماع على حكم الأصل أو بين الخصمين. وروى عنه في العِقْد، والقاضي عبدالله، والسيد إبراهيم اشتراط الإجماع على تعليله، وثبوت النص على عين تلك العلة. وحكى عنه في الجوهرة الأول⁣(⁣٣)، ونسب الثاني⁣(⁣٤) إلى قوم.

  والحجة لنا على أن القياس جائز على كل أصل قابل للتعليل: أن أدلة القياس لم تَعْتَبِر شيئاً مما ذكره المخالفون كلهم فيما قبل التعليل.

  وبعدُ، فقد كانت الصحابة تقيس على أصول لم يتقدم إجماع على تعليلها، ولا نُصَّ على عللها، ولا على وجوب القياس عليها؛ إذ لو وجد شيء من ذلك لَمَا ...


(١) البتي: هو أبو عمرو عثمان بن مسلم، وقيل بن أسلم. فقيه البصرة، ويعدونه في الطبقة الصغرى من التابعين، (ت ١٤٣ هـ).

(٢) المريسي: هو بشر بن غياث بن أبي كريمة المريسي، أبو عبدالله الحنفي، كان من المرجئة، وإليه تنسب المريسية، (ت ٢١٩ هـ).

(٣) وهو اشتراط الاجماع على تعليله.

(٤) وهو ثبوت النص على عين تلك العلة.