الأنوار الهادية لذوي العقول،

أحمد بن يحيى حابس (المتوفى: 1061 هـ)

مسألة: [شروط الحكم]:

صفحة 292 - الجزء 1

  أو بالاستقراء، كرفع الفاعل ونصب المفعول، بل ذلك متفقٌ على اطراده، وإنما النزاع فيما لم يثبت فيه ذلك، فيسمى لغة المسكوت عنه باسم غيره بجامعٍ بينهما، كالنبيذ خمراً للتخمير، وما لم يوجد فيه المعنى لا يسمى خمراً، كعصير العنب، وكذلك تسمية النباش سارقاً للأخذ بخُفْية، واللائط زانياً للإيلاج المحرَّم. والمختار: مَنْعُ ذلك، وهو مذهب الجويني والغزالي والآمدي وابن الحاجب.

  وقال المنصور بالله # والباقلاني وابن سُريج وابن أبي هريرة والرازي وجمهور أئمة العربية: إن إثبات الأسماء بالقياس جائز. ويجعلون ما يثبت من الأحكام بالقياس ثابتاً بالنص الوراد على الأصل، ولا يثبت بالقياس إلا مجرد التسمية، مثلاً الخمر لكل نَيْئٍ⁣(⁣١) مسكر من عصير العنب، قيل: أو من رطب التمر، وما سوى ذلك من المائعات المُسكرة إنما تُسميه أهل اللغة نبيذاً، والإجماع منعقد على تحريم النبيذ كالخمر، لكن اختلف في مستند ذلك الإجماع على⁣(⁣٢) تحريم النبيذ، فعندنا أنه القياس الشرعي في الحكم، لا لأنه يسمى خمراً. وعند المخالفين أنه النص الوارد بتحريم الخمر؛ لأن النبيذ خمرٌ بالقياس في اللغة؛ فهم إنما يثبتون بالقياس مجرد التسمية.

  والحجة لنا على المنع من إثبات الأسماء بالقياس: أنا قد علمنا أن تخصيص العرب لجنس باسم ليس لأجل معنى فيه على الاطِّراد، بل قد يكون كذلك - كرجل وفرس ونحوهما، وإطلاق ما كان كذلك على ما حصل فيه ذلك بالنص لا القياس - وقد يكون لا على الاطراد؛ بدليل تسميتهم حموضة العصير خلًّا، لا كل حامض، وكذلك البَلَقُ للسواد والبياض في الخيل فقط، ونحو ذلك⁣(⁣٣)،


(١) النَّيْئ: مهموز على وزن حَمْل: كل شيء شأنه أن يُعالج بطبخ أو شَيٍّ ولم يَنْضَج. مصباح.

(٢) في (ج): «في».

(٣) كتسميتهم الحمرة شفقاً إذا كانت سماوية مغربية أو مشرقية فقط، لا في غير ذلك. منهاج نقلاً من هامش (أ).