الأنوار الهادية لذوي العقول،

أحمد بن يحيى حابس (المتوفى: 1061 هـ)

[معاني الصلاة، وحكم الصلاة على غير الأنبياء $]

صفحة 36 - الجزء 1

  قال الإمام شرف الدين #: وقد ذكر العلماء معاني الصلاة، وهي في الأصل بمعنى الدعاء في جميع وجوهها، وهي في حق الباري ø مجاز عن الرحمة؛ لأن الداعي لغيره راحم له، فإذا قلت: «اللهم صلِّ على فلان» فقد استعملت الصلاة التي بمعنى الدعاء في الرحمة التي هي سبب الدعاء، فأطلقتَ اللفظ الدالّ على المسبب وأردت به السبب، وذلك من قبيل المجاز العقلي⁣(⁣١).

  وهذا في أصل استعمال الصلاة، فأما الصلاة على نبينا محمد ÷ فقد صارت حقيقة شرعية في معنى آخر، وهو الإجلال والتعظيم، وطلب ذلك من الباري - جل وعلا - على غاية ما يُمكن طلبُه من المعبود لأحبِّ عباده إليه، وأجلِّهم لديه، وهذا الطلب تعظيم أيضاً من الطالب للمطلوب له؛ وبهذا فارقت ما ورد⁣(⁣٢) من الصلاة على غيره ÷، كما في قوله تعالى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ}⁣[التوبة ١٠٣]، وقوله ø: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ}⁣[الأحزاب ٤٣]، وقول الرسول ÷: «اللهم صلِّ على آل أبي أوفى»، وقوله ÷: «وصلَّت عليكم الملائكة»، وأمثال ذلك، فإنها في نحو⁣(⁣٣) ذلك دعاءٌ بالرحمة من الله - سبحانه - للمُصَلَّى عليه، وسؤالٌ للدُّعاء بها من غيره؛ ولهذا نَصَّ المحققون على أنه لا يجوز إطلاق⁣(⁣٤) الصلاة على غير النبي ÷.

  هذا حاصل ما ذكره # برواية المصنف ¦.

  قلت: ومذهب الإمام شرف الدين # عدمُ جوازِ الصلاة على غير الأنبياء،


(١) المجاز العقلي: هو اسناد الفعل أو ما في معناه إلى غير ما هو له لملابسة مع قرينة، ويسمى المجاز الحكمي، ومجاز الإسناد.

(*) قال في هامش (م) و (ج): والأولى جعل هذا المجاز من اللغوي المرسل، كما هو محقق في علم المعاني والبيان.

(٢) في (أ): ما قد ورد.

(٣) في (ج): أمثال.

(٤) في (ج): إطلاق لفظ الصلاة.