الأنوار الهادية لذوي العقول،

أحمد بن يحيى حابس (المتوفى: 1061 هـ)

[المفهوم وأقسامه]

صفحة 430 - الجزء 1

[المفهوم وأقسامه]

  (فصل: والمفهوم: ما دل عليه اللفظ لا في محل النطق(⁣١)) بأن يكون حكماً لغير المذكور، وحالاً من أحواله. (وهو نوعان) لأن حكم غير المذكور إما موافق لحكم المذكور نفياً وإثباتاً أو لا (الأول متفق عليه، ويسمى مفهوم الموافقة، وهو أن يكون المسكوت عنه موافقاً للمنطوق به في الحكم، فإن كان فيه معنى الأَوْلَى فهو) الذي يُسمى (فحوى الخطاب، نحو) قوله تعالى: {(فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ) وَلَا تَنْهَرْهُمَا}⁣[الإسراء ٢٣] (فإنه يدل) بالمفهوم (على تحريم الضرب بطريق الأولى) إذ يُعلم من حالِ التأفيفِ المنطوقِ به حالُ الضرب المفهوم منه، مع الاتفاق في الحكم، وهو إثبات الحرمة فيهما، بل المفهوم أعظم حرمة. ومنه: قوله تعالى: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ}⁣[آل عمران ٧٥] فعُلِمَ منه تأديةُ ما دون القنطار، وقوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ}⁣[آل عمران ٧٥] فعلم منه عدم تأدية ما فوق الدينار. ويُعرف⁣(⁣٢) بأنه أشد مناسبة في المسكوت عنه منه في المذكور؛ ومن ثَمَّ قال أصحابنا هو قياس جلي كما مر.

  واعلم أنه⁣(⁣٣) تنبيه بالأقل مناسبة لترتب الحكم عليه على الأكثر مناسبة لترتب ذلك الحكم عليه؛ فالتأفيف أقل مناسبة بالتحريم من الضرب، والقنطار أقل مناسبة بالتأدية مما دونه، والدينار أقل مناسبة بعدم التأدية مما فوقه (وإن لم يكن فيه معنى الأَوْلى) بل مساوٍ (فهو) الذي يسمى (لحن الخطاب)


(١) معنى قولهم: في محل النطق، أي: في العبارة المنطوق بها، وقولهم: «في غير محل النطق» أي: في مقدر خارج عن المنطوق به، والله أعلم.

(٢) أي: المعنى المفهوم من اللفظ. الدراري المضيئة.

(٣) أي: مفهوم الموافقة.