حقيقة النسخ
  إنها نسخت عنه، مع أن الإزالة قد حصلت. وأيضاً فإن له في عرف أهل الشرع شرائط لم يعتبرها أهل اللغة.
  قال الإمام المهدي #: فعلى هذا يكون من الحقائق الشرعية. قال الإمام الحسن #: بل من العرفية الخاصة؛ لأنه بوضع أهل الشرع لا بوضع الشارع.
  و (هو) في الاصطلاح: (إزالة مثل الحكم الشرعي بطريق شرعي مع تراخٍ بينهما).
  فقوله: «مثل الحكم» ليخرج البداء؛ إذ هو إزالة عينه؛ لأنه مستحيل في حق الله؛ إذ لا ينكشف له ما لم يكن قد علمه؛ لأنه عالم لذاته، أو عبث(١)، وهو أيضاً مستحيل عليه لقبحه، فلا بد مما يتمكن المكلف من الفعل قبل النسخ وإلا عاد على غرضه بالنقض، وإذا تمكن منه فقد خرج الأمر - مثلاً - عن كونه عبثاً، ثم إذا نهاه عن مثله في المستقبل علمنا أن مدة المصلحة فيه قد انقضت، فحسن نسخه حينئذٍ. وقوله: «الشرعي» احتراز عن الحكم العقلي؛ فإن إزالته بطريق شرعي ليس بنسخ، وذلك كالأدلة المبيحة لذبح الأنعام بعد أن كان محرماً بحكم العقل. وقوله: «بطريق» يشمل(٢) القطعي والظني. وقوله: «شرعي» ليخرج إزالته بالموت(٣). وقوله: «مع تراخ بينهما» ليخرج التخصيص(٤)، نحو: صل عند كل زوال إلى آخر الشهر.
  واعلم أن المراد بالإزالة: بيان انتهاء الحكم المذكور بما ذكر؛ فهو بيان لا رفع. ومعنى البيان: أن الخطاب الأول كان متعلقاً بالفعل
(١) لم يظهر على أي شيء يعطف قوله: «أو عبث». ولفظ القسطاس: ولم يقل: «إزالة عينه» إذ هو بداء وهو مستحيل في حق الله أو عبث، فهو في كلام القسطاس معطوف على «بداء».
(٢) في (ج): «شمل».
(٣) والنوم والجنون والغفلة. مرقاة الوصول للسيد داود.
(٤) لأنه لا يعتبر منه التراخي.