الأنوار الهادية لذوي العقول،

أحمد بن يحيى حابس (المتوفى: 1061 هـ)

[الخلاف في تعلق الوجوب بوقت الواجب الموسع]

صفحة 65 - الجزء 1

  ولا يجوز أن يُكلِّفنا الله تعالى من الواجبات بما كان مُضيَّقاً لا يسعُهُ وقتُهُ، ويُكلِّفنا بتأديته في وقته؛ لأن ذلك تكليف بما لا يطاق، خلافاً للمجبرة.

  (وموسَّع) وهو الذي ضُرب له وقت يتسع لأكثر مِنْ فِعْله، كوقت أداء الصلاة، وقد يُعبَّر عنه بالواجب المُوسَّع على سبيل التجوز؛ إذ الفعل - وهو الواجب - ليس مُوسَّعاً، إنما الموسع الوقت الذي هو ظرفٌ له.

[الخلاف في تعلق الوجوب بوقت الواجب الموسع]:

  واختُلِف فيه: فعند أئمتنا $ وجمهور المعتزلة والأشعرية وبعض الفقهاء: يتعلَّق الوجوب بجميعه⁣(⁣١) على سواء، مُوسّعاً في أوله مُضيَّقاً في آخره.

  قال المنصور بالله # والملاحمية: ومع التأخير لا يجب العزم على فعله بعينه في أولِّه، وإنما يجب العزم على الإتيان بكل واجب جملة؛ إذ ذلك من أحكام الإيمان. وقال أبو طالب # والجمهور: يجب، ثم اختلفوا، فعند أبي طالب وأكثرهم أنه بدل عنه⁣(⁣٢)، وعند أقلهم ليس ببدل.

  قال الإمام المهدي #: والصحيح هو قول من لم يجعل لها بدلاً في أول الوقت ووسطه؛ إذ المصلحة إنما هي فيما عيّن الله تعالى وجوبه، ولم يُعيَّن إلا الصلاة في الوقت، دون العزم. ولَمَّا كانت المصلحة بفعله مستوية في جميع أبعاض الوقت المضروب جاز التقديم والتأخير، وإن كان التقديم أفضل؛ لكونها تكون فيه لطفاً في واجب ومندوب، بخلاف آخره⁣(⁣٣).

  قلت: وهذا مبني على أن وجه شرعية الحكم الشرعي كونه لطفاً في العقلي، وذلك خلاف مذهب قدماء أئمتنا $ والبغدادية، وإمام زماننا - أيده الله تعالى؛


(١) أي: بجميع الوقت. ومعنى تعلق الوجوب بجميع الوقت: أن ثواب المصلي في تأدية الواجب لا يفوت ولا ينقص بالفعل في بعض دون بعض. مرقاة السيد داود ص ١١٥/ ط ١.

(٢) أي: بدل عن الفعل في ذلك الوقت؛ ولذا وجب العزم عندهم.

(٣) فليست إلا في الواجب فقط.