[في أن العامي مذهبه مذهب من وافق]
  ومع أنه لا يعذر جاهل بسبب جهله، فكيف تكون التسوية ما بين العالم والجاهل؟ لأن الجاهل إذا قد وافق قول عالم فقد نجا من غير اعتراف بالشريعة لأجل موافقته.
  وهل قد كانت المسألة حادثة عند القدماء من أهل البيت أن العامي مذهبه مذهب من وافق أو لم يقل بها إلا أهل المذهب.
  والصلاة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
  
  الجواب وبالله التوفيق عن المسألة المسطورة باطن هذا: أن هذا الأصل وهو أن العامي مذهبه مذهب من وافق أصل متفق عليه، وليس هو قول أهل المذهب وحدهم بل هو قولهم وقول الجلة من أهل البيت وعلماء الإسلام، إلا مثل ما روي من القول الشاذ أن العامي يسأل العالم عن المسألة ودليلها، وهذا بعيد، لأنه لا يفيد العامي اجتهاداً إذ لا بد من معرفة الصحة وكيفية الاستدلال، ولو كان كذلك لصار مجتهداً في موقف واحد ولاستغنى عن علوم الاجتهاد التي لا بد منها.
  نعم، والدليل على صحة ذلك الأصل: ما قد علم في أيام الصحابة والتابعين من أن الجاهل يسأل العالم عن المسألة فيفتيه بمذهبه فيعمل ذلك العامي بفتواه من دون إنكار عليه من أحد ولا اعتراض، فعلم من ذلك أنه قد صار مذهبه مذهباً له، وهو معنى تلك القاعدة أن مذهب العامي مذهب من وافق.
  ويؤيده قوله تعالى {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ٤٣}[النحل]، ونحوها، ولا يلزم ما ذكره السائل من أنه قد أسقط عن جميع العوام كثير من التكاليف، بل إنما سقط وجوب البحث والنظر، وإلا فقد صار مذهبه مذهب الموافق له وصار العالم في حق الجاهل بمنزلة الدليل في حق العالم.
  وكذلك قول السائل ولا يعذر جاهل بسبب جهله؛ نقول: مسلّم فيما يجب على الجاهل العلم كمسائل أصول الدين، وأما مسائل الفروع فيكفيه التقليد، لأن