[حكم الأئمة المتعارضين]
  إلى اختيار العباد رجع الدين تقلباً ولعبة.
  ولأن للإمام إجبار الناس ومحاربتهم ليطيعوه فيفسد هذا الباب، ولا يبقى جهاد، وتستمر فتنة عمياء ما لها مخرج، والله تعالى ما شرع الإمامة إلا لرفع المفاسد، وانتظام أمر العالم، فيعود هذا القول على المقصود بالنقض عقلاً وشرعاً، فليس هذا القول إلا مهجوراً متروكاً، ولهذا لم يشتهر عن العترة وجماهير العلماء والأئمة في مؤلفاتهم وأقوالهم إلا القول بمنع إمامين، ومجرد وجود مخالف لا يقدح، فقد خولف في الإلهيات خلافات لا اعتداد بها.
  وليس كذلك التعارض مع تباعد الديار، فإن أكثر المفاسد مرتفعة، وأكثر المصالح حاصلة، وإن كان الدليل يمنع من ذلك.
[حكم الأئمة المتعارضين]
  فإن قلت: فما حكم المتعارضين من الأئمة في عصر واحد، وقطر واحد، مع الاستواء في الفضل والعلم والدين وجميع الخصال المعتبرة، فإن هذا واقع قطعاً؟
  قلنا: لا شك أنه واقع، ولكن الوقوع لا يدل على الجواز، لأن أحدهما مخطئ في نفس الأمر، وإن كان قد يكون معذوراً لعدم التعمد، وعظم انقداح الشبهة عند نفسه خاصة، لقوله تعالى {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ ...} إلخ [الأحزاب: ٥]، وأنه يجب عليه التورع والتحري والتوقف لطلب ما يجتمع به الشمل، ويطابق مراد الله تعالى، فإن اجتماع الكلمة والإجماع من كل من يعتد به - من دون استحقار لأحد، ولا استبداد برأي - هو أصل المصالح كلها، لأن المقام مقام خطير يترتب عليه أي أثر.
  فبهذا يظهر أن الحق ما ذكره القاضي أحمد بن يحيى حابس | في المقصد الحسن ما معناه:
  أن الإمام إنما هو واحد منهم والآخر باغ عليه، ولكنه إذا عرف من حالهم الورع والكمال، وأنه ما حمله على المعارضة إلا أمر الدين ولو علم تقدم الآخر، أو